من الدروس والعبر المستفادة من سورة يوسف.. «الحب»

كُتبت بواسطة:

في

لم يخصص ربنا سبحانه لقصة سيدنا يوسف عليه السلام سورة كاملة عبثاً، بل هذه القصة تتضمن عجائب من البيان والتقريرات في مجالات مختلفة. ومن ذلك ما يهم الشباب: الحب. فكم من شباب وبنات يتعاملون مع الحب بمنطق التقديس والتعظيم، حتى يكون فوق كل اعتبار، وتراهم يعبرون عن ذلك بقولهم: لا أستطيع الحياة بدونها.

طيب، امرأة عزيز مصر التي قيل أن اسمها (زليخا)، نشأ يوسف عليه السلام أمام عينيها وبين يديها، وكلما كبر في السن كان جماله يسحر العين، وأخلاقه تأخذ بالنفس، ومع مرور السنوات كان قلب زليخا يمتلأ بغرامه إلى أن بلغ بها الحال في عشقه وحبه مبلغا بعيدا.

والحب بطبيعته يطلب الجماع، لأن هذه هي طبيعة النفس البشرية، عندما تمتلئ بشعور معين في القلب، تطلب حقيقته الحسية في الجسد، فلما كان الحب تماهيا نفسيا في المحبوب، كان الجماع تماهيا جسديا فيه، وبهذا يشعر المحب أنه بلغ الكمال في معنى حبه وعشقه لمحبوبه. كما أن من يمتلئ غضبا على شخص يطلب تفريغ هذا الشعور حسيا بالانتقام منه وإلحاق الأذى به.

ولهذا لم تستطع زليخا أن تقاوم هذه الطبيعة في النفس البشرية، لقد شغفها يوسف عليه السلام حبا، فكان لزاما في قانون الطبيعة البشرية أن تطلب تفريغ هذا الحب في صورة حسية مادية وهي الجماع، ولذلك حرصت وتحايلت وبذلت كل الأسباب الممكنة لها للظفر بفرصة هذا التفريغ، لكن الله تعالى عصم يوسف عليه السلام.

إلى هنا الأمر مفهوم، لكن، حين فرّ يوسف عليه السلام من العاشقة الوالهة، وصادف أن رأى زوجها مشهد مطاردتها له، ماذا فعلت؟ لقد نسيت الحب والعشق وكل شيء في سبيل إنقاذ سمعتها، وهذا موقف لا يثير كثيرا من العجب، بل العجب كل العجب هو أنها لم تكتف بتبرئة ساحتها وتدع زوجها يقرر عقوب يوسف، بل بادرت هي شخصيا وتبرعت بالمطالبة بالعقوبة، والأعجب أنها لم تطالب بقتل هذا المحبوب الذي ملأ قلبها هوى وغراما وعشقا من باب إنقاذه بالقتل، بل طالبت بتعذيبه وإهانته: [قَالَتۡ مَا جَزَاۤءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوۤءًا إِلَّاۤ أَن یُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ].

فيا أيها المسكين، حين تداعبك مشاعر الحب وأحاسيس الغرام، وحين تسمع نفسك تثرثر بـ [لا أستطيع الحياة بدونها]، تذكر قصة يوسف، وتذكر موقف زليخا العاشقة المغرمة، وأنها حين جد الجد نسيت الحب والعشق، بل وذهبت تحاول استغلال الفرصة للانتقام من محبوبها لمجرد أنه رفض المعصية، رغم أن هذا موقف لا يزال موجودا إلى يومنا هذا، فكم من فتاة رفض محبوبها الزواج بها فذهبت تؤذيه بالسحر والشعوذة؟ وكم من امرأة طلقها زوجها فذهبت تؤذيه بالسحر والحرمان من أبنائه؟ وكم من شاب رفضته فتاة فذهب يحرص على تشويه سمعتها، أو تشويه وجهها، أو حتى قتلها..

كتب: نورالدين قوطيط