يُعد الرقم الذي ينتهي بفاصلة 99 – مثل 9.99 أو 199.99 – من أكثر أدوات التسعير استخدامًا وانتشارًا في الأسواق التجارية حول العالم. فما إن تقع أعيننا على هذه الأسعار حتى نشعر بانجذاب فوري نحو المنتج، وأحيانًا نقرر شراءه دون حاجة حقيقية له. لكن، ما سر هذا الرقم؟ ولماذا يُستخدم بهذا الشكل المكثف في التسويق؟ هذا ما سنستعرضه في السطور التالية من خلال أوجه متعددة، تشمل الجوانب التسويقية، النفسية، والتاريخية أيضًا.
الفاصلة 99: أداة جذب لا تُقاوم
في كثير من الأحيان، تجد نفسك تقف أمام منتجٍ لا تنوي شراءه، ثم ما تلبث أن تغير رأيك عند ملاحظة سعره المنتهي بـ”.99″. هذا النمط في التسعير ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة استراتيجية مدروسة هدفها التأثير على سلوك المستهلك. فعندما ترى منتجًا بسعر 9.99 بدلًا من 10.00، فإن العقل يتعامل معه على أنه أقرب إلى 9 وليس إلى 10، مما يجعله يبدو أرخص مما هو عليه في الحقيقة، وبالتالي يحفز قرار الشراء.
الجذور التاريخية لفكرة التسعير بـ”.99″
لفهم منشأ هذه الفكرة، يجب أن نعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. فوفقًا لبعض المؤرخين، تعود أولى المحاولات لاستخدام هذه الطريقة في التسعير إلى مجلة ديلي نيوز البريطانية، التي كانت تبحث عن سعر مثالي لمجلتها يحقق الربح ويجذب القرّاء. وسط العديد من المقترحات، برز سعر ينتهي بـ”.99″ وأثار إعجاب القائمين على المجلة، لأنه بدا جذابًا ومربحًا في الوقت نفسه. ومن هنا، بدأ استخدام هذا النمط من التسعير ينتشر تدريجيًا في مجالات تجارية متعددة.
التسعير الكسري وسيلة لمحاربة السرقات
من الجدير بالذكر أن هناك فرضية أخرى وراء ظهور التسعير الكسري، وهي تتعلق بالجوانب الأمنية والإدارية. في السابق، كانت الأسعار تُكتب بأرقام صحيحة (مثل 50، 100، 200)، ما جعل من السهل على بعض الموظفين التلاعب بها في دفاتر الحسابات بهدف السرقة. لذلك، عمدت المتاجر إلى استخدام أرقام كسريّة مثل 49.99 أو 199.99 لتصعيب عملية التزوير، إذ إن تغيير هذه الأرقام يتطلب دقة أكبر ويجعل أي تلاعب أكثر وضوحًا.
تأثير الفاصلة 99 في نفسية المستهلك
الأمر لا يقف عند الجانب التسويقي أو الإداري فحسب، بل يمتد أيضًا إلى الجانب النفسي. فالبشر عادةً ما يقرؤون الأرقام من اليسار إلى اليمين، ولهذا تترك الأرقام الأولى أثرًا أكبر في أذهانهم. عندما يرى المستهلك سعريْن مثل 5.00 و4.99، فإنه ينجذب إلى الرقم الثاني لأنه يبدأ برقم 4، ويشعر – دون وعي – بأنه أقل تكلفة، رغم أن الفارق لا يتجاوز قرشًا واحدًا.
هذا التفضيل اللاواعي يرجع إلى ميل الناس عمومًا إلى اتخاذ قرارات سريعة بأقل مجهود ذهني ممكن، خاصة عند التعامل مع المنتجات الرخيصة. لذلك، لا يتمعن المستهلك كثيرًا في الفاصلة وما بعدها، بل يتخذ قراره بناءً على الرقم الظاهر في الجهة اليسرى.
الرقم 9 وتأثيره السحري
ومن الطرائف المثيرة أن التأثير لا يقتصر على الفاصلة فحسب، بل يشمل الرقم 9 في حد ذاته. فقد وُصف الرقم تسعة بأنه “الرقم الخارق” في علم التسويق، لما له من قدرة عجيبة على تحفيز المستهلكين. ففي إحدى الدراسات، تم تغيير سعر فستان من 34 دولارًا إلى 39 دولارًا، وبدلًا من انخفاض الطلب كما يُتوقع عند رفع السعر، ارتفعت المبيعات بمقدار ثلاثة أضعاف. وعندما تم تعديل السعر إلى أرقام قريبة مثل 38 و44 دولارًا، لم تحقق نفس التأثير، مما يدل على أن وجود الرقم 9 تحديدًا هو ما أثار شهية الشراء.
الفاصلة 99 كإشارة خفية على وجود عرض
وقد عززت دراسة نُشرت عام 2003 في مجلة جامعة هارفارد للأعمال هذه الفكرة، إذ أكدت أن وجود “.99” بجانب السعر يوحي للمستهلك بأن المنتج عليه عرض خاص أو تخفيض، فيشعر أنه بصدد صفقة رابحة لا تُعوّض، ويزيد من احتمالية اتخاذه قرار الشراء بشكل عاجل.
هذا أيضًا مقال مثير ⇐ أغرب الاختراعات العسكرية: عندما تتحول الخيال العلمي إلى أدوات للفتك والتخفي
بين الحقيقة والخداع: هل ما زالت الفكرة تنجح؟
على الرغم من أن الكثيرين اليوم يدركون أن هذه الفاصلة ليست أكثر من خدعة تسويقية، إلا أن تأثيرها ما زال قائمًا. فحتى مع ازدياد وعي المستهلك وثقافته الشرائية، إلا أن الأرقام التي تنتهي بـ”.99″ تظل قادرة على التأثير في قراراته، بل وتحفّز جزءًا كبيرًا من الناس على الشراء.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن استخدام الأرقام الكسرية في التسعير هو أحد أبرز إنجازات علم التسويق الحديث، فهو يجمع بين التأثير النفسي، والحافز الاقتصادي، والتحايل الإداري بطريقة ذكية وفعالة.
هل لاحظت في حياتك اليومية تأثير هذا النوع من التسعير عليك دون أن تنتبه؟