كثيرٌ منّا يلاحظ عند التقاط صورة لمشهد جميل أن النتيجة غالبًا لا تكون مرضية تمامًا، رغم جودة الكاميرا. فالمشهد الواقعي يبدو أكثر وضوحًا وتفصيلًا من الصورة الملتقطة. لذلك، يتبادر إلى أذهاننا سؤال: هل العين البشرية أكثر دقة من الكاميرات؟ وهل من المنطقي أصلًا المقارنة بين العين البشرية وعدسة الكاميرا؟ للإجابة على هذه التساؤلات، دعونا نستعرض معًا كيف تعمل العين، وما الذي يجعلها بهذه القدرة المذهلة.
العين البشرية: معجزة بيولوجية داخل أجسامنا
تُعد العين البشرية من أعقد الأعضاء وأكثرها دقة في جسم الإنسان، فهي لا يتجاوز قطرها 2.5 سم ووزنها 8 جرامات، ومع ذلك فهي تحوي منظومة متكاملة متطورة من الوظائف الحيوية.
تبدأ عملية الإبصار حين تستقبل العين الفوتونات المنبعثة من الأجسام حولنا. يدخل الضوء من خلال ثقب يُسمى “الحدقة”، والتي تعمل كنظام تلقائي لضبط الإضاءة؛ فهي تتسع في الظلام لتسمح بدخول أكبر قدر من الضوء، وتضيق في الإضاءة القوية لتقليل كمية الضوء الداخل. وهذا يشبه تمامًا نظام ضبط الإضاءة في الكاميرات الحديثة.
بعد دخول الضوء، يمر عبر عدسة العين، والتي تقوم بدورها بضبط التركيز تلقائيًا وفقًا لبعد الجسم عن العين. ثم يسقط الضوء على “الشبكية”، وهي الجزء المسؤول عن استقبال الصور وتحليلها، حيث تحتوي على ملايين الخلايا البصرية، التي تقوم بترجمة الضوء والألوان إلى إشارات كهربائية.
كيف يعالج المخ الصور؟
تنتقل الإشارات الكهربائية من الشبكية إلى العصب البصري، ثم إلى المخ، وتحديدًا إلى مركز الإبصار. وهناك يتم تحليل هذه البيانات بالتعاون مع مركز الذاكرة. فالمخ يقارن الصورة الجديدة بالمخزون البصري السابق لتحديد ما إذا كانت مألوفة أم لا. على سبيل المثال، إذا رأيت وجه شخص تعرفه، يقوم المخ فورًا بالتعرف عليه من خلال هذه المقارنة.
والأدهى من ذلك أن هذه العملية تتكرر في كلتا العينين ثم تُدمج الصورتان معًا لتكوين صورة ثلاثية الأبعاد أكثر دقة وعمقًا. كل هذا يحدث في جزء من الثانية، وبدون أن نشعر أو نبذل جهدًا.
قدرات العين الخارقة
من المذهل أن العين يمكنها في ليلة مظلمة رؤية لهب شمعة من على بُعد 48 كيلومترًا. كما يمكنها أيضًا رصد أجسام تبعد ملايين السنين الضوئية، مثل نجوم مجرة درب التبانة، بل وحتى مجرة أندروميدا، التي تبعد عنّا أكثر من 2.5 مليون سنة ضوئية.
وللعين كذلك قدرة فريدة على تثبيت النظر في نقطة واحدة حتى أثناء تحريك الرأس في اتجاهات مختلفة. فإذا ركّزت نظرك على نقطة معينة ثم حرّكت رأسك، ستجد أن عينيك لا تزالان ثابتتين على النقطة نفسها. هذا بفضل حركة العين التلقائية المضادة لحركة الرأس، مما ينتج عنه ثبات مذهل في الرؤية.
أضف إلى ذلك أن كل إنسان يملك بصمة قزحية فريدة لا تتكرر، حتى عند التوائم، ما يجعل العين وسيلة دقيقة جدًا للتعرف على الهوية.
ما هو البكسل؟ ولماذا هو مهم؟
قبل الحديث عن دقة العين، من المهم أن نفهم أولًا مفهوم البكسل. فالبكسل هو وحدة قياس الصورة الرقمية، وهو يمثل مربعًا صغيرًا جدًا يُستخدم لتكوين الصور التي نراها على الشاشات.
على سبيل المثال، إذا قلنا إن جودة فيديو ما هي 1080p، فهذا يعني أن الصورة تتكوّن من 1920 بكسل عرضًا × 1080 بكسل طولًا، أي ما مجموعه أكثر من 2 مليون بكسل. أما إذا كانت كاميرا ما بدقة 12 ميجابكسل، فهي تلتقط صورة تتكون من 4000 بكسل عرضًا × 3000 بكسل طولًا، أي 12 مليون بكسل.
كلما زاد عدد البكسلات، زادت جودة الصورة، لكن هذا ليس العامل الوحيد، فهناك عوامل أخرى مثل الإضاءة، وجودة المعالجة، وحساسية المستشعر.
فما دقة العين البشرية إذًا؟
طرح سؤال “كم تبلغ دقة العين بالبيكسل؟” قد لا يكون دقيقًا تمامًا، لأن العين ليست عدسة ميكانيكية بل عضو حيّ. لكن مع ذلك، حاول العلماء والباحثون محاكاة قدراتها.
عند تحليل شبكية العين، وُجد أنها تحتوي على نوعين من الخلايا الحساسة للضوء:
- الخلايا المخروطية (حوالي 6.5 مليون خلية): متخصصة في رؤية الألوان.
- الخلايا العصوية (العُصي) (حوالي 100 مليون خلية): متخصصة في رؤية الأبيض والأسود، وتعمل بشكل أفضل في الإضاءة المنخفضة.
يتم إرسال المعلومات المرئية إلى المخ عبر العصب البصري، والذي يحتوي على حوالي 800,000 ليفة عصبية. من خلال هذا الرقم، تمكن الباحثون من تقدير دقة العين البشرية بما يعادل 576 ميجابكسل تقريبًا.
مواصفات العين بلغة الكاميرات
استطاع العلماء أيضًا تقديم بعض الخصائص الفنية للعين بلغة الكاميرات:
- البُعد البؤري: يتراوح بين 22 إلى 35 ملم.
- فتحة العدسة: تتراوح بين f/16 إلى f/24.
- مستوى الحساسية (ISO): يصل إلى 800.
- توازن اللون الأبيض (White Balance): يتم بشكل تلقائي.
العين تتفوّق على الكاميرات… وباكتساح
رغم تطور الكاميرات بشكل مذهل، إلا أن العين البشرية ما زالت تتفوق عليها في عدة نواحٍ:
- تحديد العمق (Depth).
- ضبط التركيز (Focus).
- مجال الرؤية (Scope).
- التكيف اللحظي مع تغيّر الإضاءة.
- التوازن التلقائي للألوان.
كل هذه العمليات تحتاج إعدادات دقيقة في الكاميرا، وقد تؤثر أي خطأ فيها على جودة الصورة، بينما العين تقوم بها تلقائيًا وبدون تدخل.
ختامًا: معجزة اسمها “العين”
العين لا تحتاج لإعدادات، لا تفرغ طاقتها، لا تتعطل بسهولة، وتلتقط صورًا وفيديوهات مستمرة بلا توقف. إنها حقًا نعمة عظيمة من الله تستحق التأمل، فسبحان من خلق الإنسان في أحسن تقويم.