كيف تجني فيسبوك المليارات من تطبيق واتساب المجاني؟

كيف تجني فيسبوك المليارات من تطبيق واتساب المجاني؟

التطبيقات المجانية: هل هي فعلاً بلا مقابل؟

في عالم التطبيقات، هناك ثلاث طرق شائعة لتحقيق الأرباح. أولها أن يكون تحميل التطبيق مقابل رسوم مالية مباشرة، وثانيها أن يتضمن التطبيق ميزات مدفوعة تحتاج إلى اشتراك شهري أو سنوي. أما ثالث الطرق، فهي عرض الإعلانات أثناء استخدام التطبيق، مما يحقق أرباحًا مباشرة من المعلنين.

لكن الغريب أن هناك تطبيقات لا تتبع أياً من هذه الطرق، ورغم ذلك تحقق أرباحاً خيالية. من أبرز هذه التطبيقات: واتساب. التطبيق مجاني بالكامل، لا يعرض إعلانات، ولا يتضمن أي مزايا مدفوعة، ومع ذلك يعد من أكثر التطبيقات تحقيقًا للأرباح حول العالم. فكيف يحدث ذلك؟ ومن أين تمول الشركة هذا الكم من الموظفين والمبرمجين والإداريين؟ دعونا نبدأ القصة من البداية.

البدايات المتواضعة لواتساب

تأسس تطبيق واتساب في عام 2009 على يد برايان أكتون وجان كوم، وهما موظفان سابقان في شركة ياهو. واجه المشروع في بداياته تحديات عديدة، إلا أن إصرار المؤسسين على تقديم تجربة خالية من الإعلانات أعطاه طابعًا فريدًا. ومع الوقت، انضم إليهم ممولون وشركاء دعموا الفكرة رغم تحفظ البعض على غياب الإعلانات كمصدر ربح.

ورغم هذه التحديات، حقق واتساب انتشارًا واسعًا، حتى أنه صُنّف ضمن أفضل 20 تطبيقًا على متجر أبل في الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة من إطلاقه.

فيسبوك تشتري واتساب: صفقة بمليارات الدولارات

في عام 2014، استحوذت شركة فيسبوك على واتساب مقابل مبلغ ضخم بلغ 19 مليار دولار، في صفقة صُنّفت كواحدة من أكبر الصفقات في تاريخ التكنولوجيا. الطريف أن مؤسسي واتساب كانا قد تقدّما قبل سنوات بطلبات توظيف في فيسبوك، وتم رفضهما!

لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا تدفع شركة عملاقة مثل فيسبوك هذا المبلغ الهائل في تطبيق مجاني لا يحقق سوى مليون دولار أرباحاً وقت شرائه؟

عندما يكون المستخدم هو السلعة

في العصر الرقمي، هناك قاعدة ذهبية: إذا لم تدفع ثمن المنتج، فاعلم أنك أنت المنتج. وببساطة، هذا ما حدث مع واتساب. فعندما يستخدم أكثر من 1.8 مليار شخص التطبيق يوميًا، فإن كمية البيانات الناتجة عنهم تكون كنزًا حقيقيًا.

مارك زوكربيرج صرّح عند شراء التطبيق بأن الهدف هو “ربط العالم ببعضه”، وهو تصريح يبدو نبيلًا، لكنه يخفي أبعادًا أعمق. فبامتلاك فيسبوك لتطبيقات مثل واتساب، وإنستغرام، ومنصته الأصلية، أصبح لديه سيطرة غير مسبوقة على سلوك المستخدمين حول العالم. وبالتالي، أصبح في إمكانه توجيه المحتوى، ومنع أو حظر من يخالف سياساته – كما حدث مع الكثيرين من داعمي القضية الفلسطينية مؤخرًا.

كيف تستفيد فيسبوك من بيانات واتساب؟

رغم وعود الخصوصية، فإن الحقيقة تشير إلى أن معظم محادثاتنا، وصورنا، وبياناتنا تُخزن وتُراقب. وقد يتساءل البعض: “ما قيمة محادثة بيني وبين صديقي نتحدث فيها عن هاتف جديد أو نوع الطعام المفضل؟”

لكن الإجابة ببساطة أن هذه المعلومات تستخدم لاستهدافك بالإعلانات. على سبيل المثال، إذا تحدثت مع صديقك على واتساب عن نوع موبايل معين، ثم دخلت فيسبوك لتجد سيلًا من الإعلانات عن الموبايلات، فاعلم أن المحادثة لم تكن سرية كما كنت تظن. وينطبق الأمر ذاته على الأطعمة، الملابس، وحتى الوجهات السياحية.

هذه البيانات تُمثل ذهبًا للمعلنين، وتدر على فيسبوك أرباحًا بمليارات الدولارات.

تطور الأرباح بعد الاستحواذ

للتأكد من التأثير المالي، لنلقِ نظرة على أرقام أرباح فيسبوك:

  • 2013 (قبل صفقة واتساب): 7.8 مليار دولار
  • 2014: 12 مليار دولار
  • 2015: 17.9 مليار دولار
  • 2016: 27 مليار دولار
  • 2020: 86 مليار دولار

بالتوازي، ارتفع عدد مستخدمي واتساب من 450 مليون في 2014 إلى ما يقارب 2 مليار في الوقت الحالي، مما يعني أن الصفقة كانت استثمارًا بالغ الذكاء، مهما بدا في البداية أنها خالية من الربح المباشر.

انتهاك الخصوصية ومغادرة المؤسسين

رغم تأكيدات فيسبوك المتكررة بعدم دمج بيانات واتساب مع منصاتها الأخرى، إلا أن خبراء تقنيين أثبتوا العكس. حتى أن مؤسسي واتساب نفسهم انسحبوا من الشركة:

  • برايان أكتون انسحب في 2017 وخسر أسهماً بقيمة 850 مليون دولار، اعتراضًا على سياسات الخصوصية الجديدة.
  • جان كوم تبعه في 2018، بعد أن شعر أن فلسفة التطبيق الأصلية قد تم اختراقها بالكامل.

وقد رُفعت قضايا عديدة ضد الشركة، ما دفعها لاحقًا لإجبار المستخدمين على قبول سياسة خصوصية جديدة، تتضمن مشاركة الموقع الجغرافي، نوع الهاتف، نظام التشغيل، سرعة الإنترنت، نسبة شحن البطارية، قائمة جهات الاتصال، وأوقات التواجد على التطبيق. وببساطة، إما أن توافق، أو يُحذف حسابك.

واتساب بزنس: مصدر ربح مباشر

بعيدًا عن التجسس وتحليل البيانات، طورت فيسبوك تطبيقًا جديدًا باسم واتساب بزنس، مخصصًا لأصحاب الأنشطة التجارية. يقدم هذا التطبيق خدمات متقدمة مثل:

  • دعم العملاء المباشر
  • عرض المنتجات في شكل كتالوج
  • أدوات إدارة المشاريع الصغيرة
  • إمكانية إرسال واستقبال المدفوعات

ورغم أن التطبيق لا يزال في بداياته ولم ينتشر عالميًا بعد، إلا أن فيسبوك تراهن عليه ليكون مصدر دخل مباشر خلال السنوات القادمة، خصوصًا مع تزايد الاعتماد على الخدمات الرقمية في التسويق والدفع الإلكتروني.

خلاصة القول

واتساب ليس مجرد تطبيق مراسلة مجاني، بل هو أحد أكبر مصادر البيانات في العالم، وتستخدمه فيسبوك بذكاء لتحقيق أرباح طائلة. وبينما يتمتع المستخدمون بخدمة سلسة دون إعلانات، إلا أنهم في الحقيقة يدفعون الثمن ببياناتهم الخاصة. وفي نهاية المطاف، يبدو أن “المجانية” في العالم الرقمي ليست مجانية فعلاً، بل تأتي بثمن غير مباشر أغلى مما نتخيل.