وداعا سعد البريك

وداعا سعد البريك

في مساء يوم السبت، الثالث من شهر مايو من عام ٢٠٢٥ ميلادية، ودّعت المملكة العربية السعودية واحدًا من أبرز علمائها ودعاتها، بوفاة الشيخ الدكتور سعد بن عبد الله البريك في مدينة الرياض. وقد أُعلن أن الصلاة عليه ستُقام بعد صلاة الظهر يوم الأحد في جامع الراجحي، حيث يتوقع أن يحتشد عدد كبير من محبيه وتلاميذه وأهله لتوديعه.

الشيخ سعد البريك لم يكن مجرد داعية فحسب، بل كان شخصية علمية وأكاديمية بارزة، عُرف بعلمه وفكره ونشاطه الدعوي. فقد نال درجة الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى في قسم الفقه المقارن، وكانت أطروحته بعنوان تنصيص اختيارات الإمام الخطابي الفقهية. كما حصل على درجة الماجستير من القسم ذاته وكان موضوع بحثه حول التأمين التجاري في الإسلام. أما دراسته الجامعية، فقد أنهى درجة البكالوريوس من كلية الشريعة قسم الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ولم يكن نشاطه العلمي محصورًا في الجانب الأكاديمي، بل امتد إلى العمل الإداري والاستشاري؛ فقد شغل منصب المستشار ونائب رئيس اللجنة العليا في مكتب الأمير عبد العزيز بن فهد للبحوث والدراسات، وكان أيضًا عضوًا في لجنة التربية العليا التي يترأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز – رحمه الله – بالإضافة إلى عضويته في اللجنة الفرعية المنبثقة عنها برئاسة الشيخ الدكتور عبد الله المطلق.

وكان رحمه الله أيضًا عضوًا في فريق مناصحة السجناء من حاملي الفكر المتطرف، والمشرف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في كل من البدائع والمنطقة الصناعية الجديدة، فضلًا عن كونه عضوًا في الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وعضوًا في مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد، وكذلك مجلس أمناء مسجد التوحيد في مدينة طوكيو اليابانية.

أما الجانب الدعوي، فقد تجلى بشكل واسع في كونه إمامًا وخطيبًا لجامع الأمير خالد بن سعود في ظهرة البديعة لأكثر من 25 عامًا. وقد شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها، من أبرزها مشاركاته في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وبلجيكا، والسويد، وألمانيا، والقاهرة. كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية المؤثرة، منها: خذوا عني مناسككم”، و”وثبت الأجر”، و”وإنك لعلى خلق عظيم”، و”فاستبقوا الخيرات”، و”النجاة”، و”سواعد الإخاء.

وفي أحاديثه ومواقفه، كان الشيخ سعد البريك شديد القلق على حال الأمة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الوهن الذي أصابها اليوم هو أعظم ما مرت به في تاريخها، من تفرق وتشرذم واختلاف، مما أدى إلى ضعفها وتكالب الأعداء عليها. وقد بيّن، استنادًا إلى حديث النبي ﷺ، أن هذا الوهن يتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت، وهو ما اعتبره سببًا رئيسيًا في ما أصاب الأمة من ذل وضعف.

وفي تشخيصه لأسباب هذا الضعف، أوضح الشيخ أن الذنوب والمعاصي هي العامل الأهم في وهن الأمة، لأنها تضعف القلب وتُميت الضمير وتُورث الذل والانهزامية، مستشهدًا بأقوال الإمام ابن القيم حول آثار الذنوب التي تجعل النفس تخون صاحبها في أحلك اللحظات. وأضاف أن استشراء المعاصي، وظهور الفواحش والمنكرات العلنية، تعد من أعظم أسباب دمار الأمم وهلاكها.

ومن بين الأسباب الأخرى التي أشار إليها الشيخ البريك أيضًا، ما وصفه بـ الحملات الإعلامية المسعورة التي رسمت في أذهان المسلمين صورة عن أعدائهم بأنهم لا يُقهرون، وصنعت من أسلحتهم قوة لا تُرد، مما أدى إلى انهيار نفسي وضعف عقائدي في قلوب كثير من المسلمين. وقد أكد أن المسلمين اليوم، بدلاً من أن يتوكلوا على الله، باتوا يثقون أكثر بامتلاك العتاد والقوة والعدد، متناسين أن القدر بيد الله، وأن الموت والحياة من أمره سبحانه، وليس بيد الدبابة أو الطائرة أو الأسلحة النووية.

وأشار في حديثه إلى أن الهزيمة النفسية التي تعيشها الأمة اليوم هي الأخطر على الإطلاق، إذ تجعل المسلم ينهزم حتى قبل المواجهة، ويقنع بتفوق خصمه في كل شيء، بدءًا من الإعلام والاقتصاد، وصولًا إلى السلاح والإنتاج، مما يدل على ضعف العقيدة في النفوس. وبهذا، ختم فضيلته حديثه بالتأكيد على أن السبيل لاستعادة العزة والكرامة يبدأ بإحياء العقيدة في القلوب، وتطهير الأمة من الذنوب، والثقة بالله وحده دون غيره.

رحم الله الشيخ سعد البريك، فقد كان صوتًا ناصحًا، وقلبًا غيورًا على أمته، وقامة علمية ودعوية قلّ نظيرها، وأسكنه الله فسيح جناته.

أضف تعليق