الغابات: رئة الأرض ومصدر الحياة
إن المساحات الشاسعة من الغابات التي تغطي سطح الأرض ليست مجرد مناظر خلابة تأسر النظر، بل تُعد جزءًا أساسيًا من النظام البيئي لكوكبنا. فالشجرة الواحدة تنتج سنويًا ما يقارب 100 كيلوجرام من الأوكسجين النقي، بينما يُنتج فدان واحد من الأشجار كمية كافية من الأوكسجين تكفي 18 شخصًا طوال عام كامل.
وليس هذا فحسب، بل إن الغابات تلعب دورًا محوريًا في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث يمتص الفدان الواحد كمية من هذا الغاز تعادل ما تنتجه سيارة قطعت مسافة 42,000 كيلومتر. وبالتالي، تُعد الغابات حاجزًا طبيعيًا في مواجهة التغير المناخي والاحتباس الحراري، كما أنها موطن لملايين الأنواع من الكائنات الحية، بما في ذلك البشر من القبائل التي تتخذ منها وطنًا.
وعلى الرغم من هذه الأهمية البيئية والاقتصادية، فإن مساحة الغابات حول العالم تتناقص بشكل مقلق. فقد آثر الإنسان استغلالها اقتصاديًا على الحفاظ عليها بيئيًا. قبل الثورة الصناعية، كانت الغابات تغطي نحو 60 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض، أي ما يعادل 40% من اليابسة، بينما لا يتبقى منها اليوم سوى 30 مليون كيلومتر مربع فقط.
غابة بريموريا – روسيا
تقع في مقاطعة بريمورسكي في أقصى شرق روسيا، وتُعد واحدة من أغنى الغابات تنوعًا في العالم. تضم هذه الغابة حيوانات نادرة مثل نمر آمور والدب الأسوري ووشق أوراسيا، كما تأوي أكبر أنواع البوم في العالم: بومة بلاك ستون. وتُعد من آخر المواطن الطبيعية للنمور السيبيرية.
رغم أنها تُصنف كغابة استوائية مطيرة، إلا أن مناخها متقلب؛ صيفها حار رطب، وشتاؤها شديد البرودة، مما ساعد في تنوع الحياة فيها. وقد ساهم الموقع البعيد وجهود الاتحاد السوفيتي سابقًا في الحفاظ عليها، وتبلغ مساحتها اليوم نحو 13,000 كيلومتر مربع.
غابة بورميس – جنوب شرق آسيا
كانت هذه الغابة من أكبر الغابات المطيرة في المنطقة، إلا أن معظمها قد تلاشى خلال العقود الماضية، فقدت أكثر من 74,000 كيلومتر مربع بين عامي 1990 و2010، وما تبقى منها يمثل آخر بقايا واحدة من أقدم الغابات على وجه الأرض.
تقع بالقرب من خط الاستواء، ما يمنحها مناخًا مستقرًا. وهي موطن لحيوانات نادرة مثل الفيل الآسيوي والنمر البنغالي وآكل النمل الحرشفي، فضلًا عن عدد من الرئيسيات كقرد الليمور والماكوك والجيبون. تبلغ مساحتها الحالية حوالي 233,000 كيلومتر مربع.
غابة فالديفيان – أمريكا الجنوبية
تمتد بين تشيلي والأرجنتين، وتُعد من أحدث الغابات نشأة، إذ كانت مغطاة بالجليد حتى 17,000 سنة مضت. تختلف أجواؤها بشكل كبير من شمالها إلى جنوبها، حيث الشمال دافئ وجاف، بينما الجنوب رطب ومعتدل.
تُهيمن على الغابة الأشجار المخروطية كالصنوبر، وتضم كائنات نادرة مثل قرد الكلوكولو وأيل البودو وقط الكود كود. على الرغم من وجود حماية لجزء منها، إلا أن قطع الأشجار لا يزال مستمرًا. وتبلغ مساحتها الحالية 248,000 كيلومتر مربع.
غابة بورنيو – آسيا
تقع على ثالث أكبر جزيرة في العالم، وتُعد من أقدم الغابات على الإطلاق. تحتوي على آلاف الأنواع من النباتات المستوطنة، وأكثر من 2,000 نوع من الأوركيد، إضافة إلى أندر الزهور مثل “رافليسيا أرنولديه”. من الحيوانات النادرة فيها وحيد القرن السُّماطري وأورانغوتان بورنيو، وكلاهما مهددان بالانقراض. وتبلغ مساحتها المتبقية 290,000 كيلومتر مربع، لكنها تتعرض لتقلص مستمر بسبب الزراعة والقطع الجائر.
غابة غينيا الجديدة – أوقيانوسيا
تقع على جزيرة غينيا الجديدة، وتتميز بحفاظها على معظم مساحتها، بعكس غابة بورنيو المجاورة. تحتوي على 5% إلى 10% من إجمالي أنواع الحيوانات والنباتات على الأرض. تشبه الحياة البرية فيها الحيوانات الأسترالية أكثر من الآسيوية، وتضم حيوانات مثل الكنغر الشجري وطائر الجنة.
الغابة لا تزال غير مكتشفة بالكامل، ويعيش فيها أكثر من 1,000 قبيلة، من بينها 44 قبيلة معزولة تمامًا. وتبلغ مساحتها نحو 545,000 كيلومتر مربع.
غابة حوض الكونغو – أفريقيا
تغطي هذه الغابة حوض نهر الكونغو وتمتد إلى سبع دول إفريقية، وتعتبر موطنًا للغوريلا والشمبانزي والبونوبو، بالإضافة إلى فيل الأحراش وفرس النهر. ورغم انخفاض معدل القطع فيها، إلا أنها تعاني من حرائق متكررة، بعضها بسبب الجفاف والبعض الآخر نتيجة الأنشطة البشرية.
سُجل في أسبوع واحد من أغسطس 2019 أكثر من 6,900 حريق في المنطقة. وتبلغ مساحة الغابة 1,780,000 كيلومتر مربع، وهي ثاني أكبر الغابات المطيرة في العالم.
التايغا – أكبر منطقة أحيائية على اليابسة
تمتد غابات التايغا عبر ثلاثة نطاقات رئيسية:
- تايغا إسكندنافية روسية: تغطي معظم مناطق السويد والنرويج وفنلندا، وتصل مساحتها إلى 2,156,000 كيلومتر مربع.
- تايغا شرق سيبيريا: تقع بالكامل في روسيا، وتبلغ مساحتها 3,900,000 كيلومتر مربع.
- الغابات الشمالية الكندية: تغطي معظم كندا وأجزاء من ألاسكا والولايات المتحدة، بمساحة 4,200,000 كيلومتر مربع.
تُشكل غابات التايغا ما يعادل 11.5% من مساحة اليابسة، وتمتص ثاني أكسيد الكربون أكثر من أي غابة أخرى، لكنها رغم ذلك، تفتقر للتنوع البيولوجي بسبب تغطية الجليد لها لملايين السنين.
غابة الأمازون – الأكبر والأكثر تنوعًا
تُعد غابات الأمازون المطيرة أكبر غابة على سطح الأرض، وتمتد عبر تسع دول، أبرزها البرازيل التي تحتضن 60% من مساحتها. وهي تمثل أكثر من نصف الغابات المطيرة المتبقية عالميًا.
تحتوي على أكثر من 390 مليار شجرة تنتمي إلى 16,000 نوع، وتعيش فيها أنواع مذهلة من الكائنات مثل الجاغوار، الأناكوندا، طيور التوكان، وسعدان العنكبوتي.
وعلى الرغم من ضخامتها، إلا أن الغابة فقدت 20% من مساحتها، أي حوالي 800,000 كيلومتر مربع، نتيجة الحرائق، الزراعة، والرعي الجائر. ولا يتمتع بالحماية سوى 1,730,000 كيلومتر مربع، ما يجعلها مهددة بخطر الانقراض البيئي.
خاتمة
تمثل الغابات كنزًا طبيعيًا لا يُقدّر بثمن، فهي ليست مجرد مصدر للموارد بل شريان حياة يربط الأرض بأسباب البقاء. ولكن ما لم يتم التحرك الجاد للحفاظ عليها، فقد نجد أنفسنا في عالم أكثر جفافًا، أقل تنوعًا، وأشد فقرًا بيئيًا مما عرفته البشرية من قبل.