لماذا يسبب الوقوف الطويل ألماً أكبر من المشي لفترات أطول؟

لماذا يسبب الوقوف الطويل ألماً أكبر من المشي لفترات أطول؟

قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى، لكن الحقيقة أن الوقوف لمدة نصف ساعة قد يكون أكثر إرهاقاً وإيلاماً من المشي لمدة ساعتين متواصلتين. فلو سألت أي شخص: هل تفضل المشي ساعة أم الوقوف ساعة؟ على الأغلب ستكون إجابته “المشي”، على الرغم من أن المشي يتطلب مجهوداً بدنياً أكبر. فما السبب وراء هذه المفارقة الغريبة؟ للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نغوص في جانبي الظاهرة: البيولوجي والنفسي.

أولاً: الجانب البيولوجي – ماذا يحدث داخل أجسامنا عندما نقف طويلاً؟

الجسم لا يحب السكون

رغم أن الوقوف يبدو في ظاهره نشاطاً هادئاً وخالياً من الجهد، فإن الجسم في الواقع لا يتوقف عن الحركة، ولكنها حركة خفية. ذلك لأن العمليات الحيوية داخل الجسم لا تتوقف، مما يدفعه إلى التحرك بشكل لا إرادي، سواء للأمام أو للخلف، كاستجابة تلقائية للحفاظ على التوازن.

ولكي لا يسقط الإنسان خلال هذه التحركات الطفيفة، تعتمد الأعضاء بشكل كبير على الساقين، والتي تتحمل عبئاً كبيراً في تثبيت الجسم واستقامته.

الاعتماد على عضلات محدودة في الوقوف

أثناء الوقوف، تعتمد استقامة الجسم على عدد محدود جداً من عضلات الساقين، مما يضع عليها ضغطاً متواصلاً. أما في حالة المشي، فيشارك عدد أكبر من العضلات في العمل، ليس فقط في الساقين، بل في الجسم كله، وهو ما يوزّع الجهد ويمنع تركّزه في منطقة واحدة.

لذلك، فإن الجهد الذي تبذله عضلاتك أثناء الوقوف يكون أكبر بكثير مقارنةً بالمشي.

التحميل المستمر على الساقين

قد تعتقد أن الساقين تتحملان الوزن ذاته سواء في المشي أو الوقوف، ولكن الفرق الجوهري يكمن في التوزيع.

ففي المشي، تتناوب الساقان على حمل الوزن، مما يمنح كل ساق فرصة قصيرة للراحة. أما في حالة الوقوف، فإن كل ساق تتحمل نصف وزن الجسم بشكل مستمر ودون توقف. فلو كان وزنك 80 كيلوغراماً، فكل ساق تحمل 40 كيلو طوال مدة الوقوف، وهو ما يسبب إرهاقاً سريعاً ويُفسّر حاجتنا الدائمة لتحريك الساقين عند الوقوف طويلاً.

نقص الأكسجين وتراكم السوائل

عند الوقوف، تقل كمية الأكسجين التي تصل إلى الساقين، مما يؤدي إلى تراكم الدم والسوائل اللمفاوية في القدمين. هذا التجمّع يسبب ألماً شديداً وإرهاقاً سريعاً.

وعلى العكس، فإن المشي يحفّز الدورة الدموية، ويساعد القلب على ضخ الدم بكفاءة عبر المساعدة التي تقدمها انقباضات العضلات أثناء الحركة. وبالتالي، تكون العضلات أكثر تغذية بالأكسجين، ويقل الإحساس بالتعب.

ثانياً: الجانب النفسي – كيف يؤثر العقل على شعورك بالتعب؟

الجانب النفسي لا يقل أهمية عن الجانب الجسدي. فحينما نقف طويلاً ونحن ننتظر شيئاً ما، دون أن نفعل أي شيء آخر، يبدأ تركيزنا في التوجّه بشكل كامل إلى الألم والإرهاق في الساقين.
كما أن الشعور بالملل يزيد من استحضار الألم. على العكس تماماً، عندما نمشي أو نجري، يكون الذهن منشغلاً بعوامل أخرى؛ مثل مراقبة الطريق، أو التفكير في الوجهة، أو الاستمتاع بالمناظر المحيطة.

المشي يحفّز إفراز هرمونات الراحة

الحركة الجسدية أثناء المشي أو الجري تحفّز إفراز بعض المواد الكيميائية العصبية التي ترفع من الحالة المزاجية وتقلل من الشعور بالألم، مثل:

  • الأدرينالين: يُضخّ بشكل أسرع، مما يزيد من تدفّق الأكسجين إلى العضلات والدماغ.
  • الإندورفين: المعروف بـ”هرمون السعادة”، والذي يبعث على الارتياح ويقلل من الشعور بالإجهاد البدني.

كيف نخفف ألم الوقوف الطويل؟ نصائح عملية

إذا كنت مضطراً للوقوف لفترات طويلة، فهناك بعض الأساليب التي يمكن أن تساعدك على تقليل الشعور بالألم والإرهاق:

  1. الحركة البسيطة بين الحين والآخر: حاول أن تتحرك كل بضع دقائق، حتى لو كان ذلك مجرد تغير في وضع القدمين أو المشي في مكانك. هذه الحركات البسيطة تساعد في تحفيز الدورة الدموية وتخفف الضغط عن الساقين.
  2. رفع قدم واحدة بالتناوب: ضع إحدى قدميك على سطح مرتفع مثل رصيف أو درجة، مع إبقاء الأخرى على الأرض، ثم بدّل بينهما. هذه الوضعية تخفف من الضغط على أسفل الظهر وتعطي راحة متبادلة لكل ساق.
  3. ارتداء حذاء مريح: اختيار الحذاء المناسب يلعب دوراً كبيراً في تقليل التعب. تأكد من أن الحذاء يتيح للقدم وأصابعها أن تكون في وضعها الطبيعي دون ضغط أو انقباض.
  4. تجنّب استخدام الهاتف أثناء الوقوف: قد يبدو الهاتف وسيلة جيدة لتمضية الوقت، لكنه في الواقع يزيد من سوء الوضع. فطريقة الإمساك بالهاتف غالباً ما تتضمن انحناء الرقبة وانكماش الكتفين، مما يؤدي إلى تقوّس الظهر وزيادة الضغط على العمود الفقري والساقين.

بدلاً من ذلك، يمكنك تسلية نفسك بذكر بعض الأذكار أو التنفس بعمق، بشرط أن تحافظ على استقامة ظهرك.

خلاصة القَول

الوقوف قد يبدو نشاطاً بسيطاً، لكنه في الحقيقة يتطلب من الجسم مجهوداً عالياً ومستمرّاً مقارنة بالمشي، الذي يوزع الجهد بشكل متوازن ويحفّز الدورة الدموية والوظائف العصبية. لذلك، ليس غريباً أن نشعر بتعب أكثر أثناء الوقوف لفترة قصيرة مقارنة بالمشي لفترة أطول.

ومن خلال فهمنا للجوانب البيولوجية والنفسية لهذه الظاهرة، يمكننا اتخاذ خطوات بسيطة لكنها فعالة لتقليل الألم وتحسين تجربتنا خلال فترات الانتظار أو العمل الطويل واقفين.