الدب القطبي: وسيم أبيض يحكم شمال الكوكب

الدب القطبي: وسيم أبيض يحكم شمال الكوكب

في أقصى شمال كوكبنا، حيث البرد القارس ودرجات الحرارة التي تصل أحياناً إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر، لا يستطيع معظم الكائنات الصمود، بل قد تهلك في غضون ساعات. ومع ذلك، أنعم الله سبحانه وتعالى على عدد محدود من الكائنات بخصائص فريدة تمكّنها من البقاء في هذه الظروف القاسية. ومن بين هذه الكائنات، يتفرّد مخلوق واحد بتربعه على عرش القطب الشمالي دون منازع: إنه الدب القطبي، أضخم حيوان مفترس يسير على اليابسة.

موطن الدب القطبي وتوزيعه الجغرافي

لا يمكن العثور على الدببة القطبية في أي مكان بالعالم سوى في المناطق المحيطة بالقطب الشمالي، وتشمل هذه المناطق شمال روسيا، جرينلاند، النرويج، الولايات المتحدة، وأساساً كندا. في الواقع، يعيش حوالي 80% من إجمالي الدببة القطبية في شمال كندا تحديداً.

وتتواجد هذه الدببة غالباً على السواحل والجزر، لكنها تمضي أغلب وقتها على الألواح الجليدية العائمة التي تربط بين الأراضي.

الحجم الهائل للدب القطبي

يُعتبر الدب القطبي أكبر الحيوانات اللاحمة على سطح الأرض خارج عالم البحار، فلا يوجد حيوان مفترس يتغذى على اللحوم يضاهيه حجماً. إذ يصل طول الذكر البالغ إلى حوالي 2.4 متر، ويبلغ وزنه أكثر من 800 كغ، فيما تم تسجيل أضخم دب قطبي بوزن 1000 كغ، أي ما يعادل طنًا كاملاً.

أما الإناث، فتكون في الغالب أقل من نصف حجم الذكور، حيث يتراوح وزنها بين 200 و300 كغ، وقد يصل إلى 400 كغ إذا توفّر الطعام بكثرة.

حمية قاسية تعتمد على الدهون فقط

على عكس معظم أنواع الدببة التي يمكنها تناول النباتات والحشرات، لا يعرف الدب القطبي سوى اللحوم، ويعتمد في غذائه بشكل أساسي على الشحوم. فإذا توفّر له الطعام، يمكنه التهام ما بين 45 إلى 68 كغ في الوجبة الواحدة.

وتُعدّ الفقمات مصدره الغذائي الرئيسي نظراً لاحتوائها على نسبة عالية من الدهون الضرورية لعملية الأيض لديه.

حاسة شم خارقة وسرعة غير متوقعة

يتميّز الدب القطبي بحاسة شم خارقة قادرة على التقاط رائحة الفريسة من مسافة تصل إلى 32 كم.

وعلى الرغم من ضخامة حجمه، إلا أن سرعته على اليابسة قد تصل إلى 40 كم/ساعة، بينما يسبح بسرعة تصل إلى 10 كم/ساعة.

وتُعزى مهارته العالية في السباحة إلى شكل جسمه وانسيابيته، بالإضافة إلى كفوفه الأمامية العريضة التي يصل عرضها إلى 30 سم، وتعمل كالمجاديف أثناء السباحة.

فرو شفاف وجلده أسود!

للوهلة الأولى، يبدو الدب القطبي أبيض اللون، إلا أن الحقيقة مغايرة تماماً؛ ففروه شفاف وليس أبيض، واللون الذي نراه هو نتيجة لانعكاس الضوء عليه. كما أن جلده الحقيقي أسود اللون، مما يساعد على امتصاص حرارة الشمس. ويتكوّن الفرو من طبقتين: داخلية ناعمة وسميكة، وخارجية خشنة ومجوفة تعمل على تشتيت الضوء.

ولادة ورعاية الصغار

يولد صغار الدببة القطبية بحجم صغير أشبه بالسناجب، بوزن لا يتجاوز نصف كغ، وطول يتراوح بين 30 و35 سم. يولدون عميان، بلا أسنان، وفروهم القصير لا يحميهم من البرد، مما يجعلهم معتمدين بالكامل على الأم في الغذاء والدفء.

تتزاوج الدببة القطبية بعد ذوبان الجليد، وتبدأ الذكور صراعات للحصول على الإناث. المثير أن الحمل لا يحدث مباشرة بعد التزاوج، بل يتم تأجيله فيما يعرف بـ”الغرس المتأخر”، حتى يكون التوقيت مناسبًا من حيث الغذاء والبيئة. وبعد فترة حمل تمتد بين 195 و265 يوماً، تلد الأنثى غالباً ما بين ديسمٍ واحد إلى ثلاثة.

الأمومة في القطب المتجمد

خلال فترة الأمومة، التي تستمر من 4 إلى 8 أشهر داخل العرين، لا تأكل الأم ولا تشرب، وتكرّس كل طاقتها لرعاية صغارها. وبعد عامين ونصف تقريباً، تنفصل الأم عن صغارها بعد أن تكون قد علمتهم مهارات الصيد والنجاة في بيئة لا ترحم.

أعداء الدب القطبي: الجوع والتغير المناخي

على الرغم من افتقاره لأعداء طبيعيين، فإن الجوع يظل التهديد الأول للدببة القطبية، يليه الاحتباس الحراري، وكلاهما مرتبطان ببعضهما.

فمع ارتفاع درجات الحرارة، يطول فصل الصيف، وتذوب الألواح الجليدية التي يعتمد عليها الدب في التنقل والصيد. مما يجبره على السباحة لمسافات طويلة على معدة فارغة، وهذا يزيد من معدلات الوفاة بسبب الإرهاق والجوع.

مهارات الصيد والتسلل

تُظهر الدببة القطبية براعة غير مسبوقة في الصيد، سواء عبر تتبع رائحة الفقمات من ثقوب تنفسها تحت الجليد، أو عبر التسلل إليها وهي نائمة على السطح. وقد تتحرك بخفة تشبه القطط، حتى تؤخر وضع قدمها الخلفية لتجنّب أي صوت قد يُنذر الفريسة.

وفي غياب الفقمات، يضطر الدب القطبي لمواجهة الفظ، وهي حيوانات ضخمة مزوّدة بأنياب حادة. وغالبًا ما يستهدف الصغار أو العجائز منها، إلا أن هذه المغامرات لا تخلو من خطر، وقد تُكلّف الدب حياته.

الطبيعة الانعزالية والتنافس العنيف

لا تعيش الدببة القطبية في جماعات، بل هي كائنات انعزالية، ولا تتعاون في الصيد. بل وقد تشتبك فيما بينها من أجل الفرائس، خصوصًا مع قلة الموارد الغذائية. حتى في حال وجود فريسة ضخمة مثل حوت نافق، تواجه كل أنثى خيارًا صعبًا: أن تفر وتحرم صغارها من وجبة دسمة، أو أن تدخل في مواجهة خطرة مع دببة أخرى.

وعلى الرغم من كل هذه المهارات، فإن نسب نجاح الصيد لدى الدببة القطبية لا تتجاوز 10% في أفضل الحالات، وقد تصل إلى 2% فقط. ومع تقلص الجليد، بدأت هذه الدببة تقترب من مناطق البشر بحثاً عن الطعام، كما حدث في فبراير 2019 بمنطقة “نوفايا زيمليا” الروسية، حين اقتحم 52 دباً قطبياً منازل ومبانٍ عامة.

بالمناسبة؛ هل تعلم ⇐ كيف تستطيع الكلاب البوليسية اكتشاف المخدرات؟

خاتمة: مستقبل مهدد

رغم أن الدب القطبي غير مُصنف حالياً ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض، إلا أن تغيرات المناخ قد تغيّر هذا الواقع في المستقبل القريب. فاستمرار ذوبان الجليد وغياب مصادر الغذاء الطبيعية قد يؤدي إما لانقراض هذا الحيوان المهيب أو لتغيير جذري في نمط حياته، وربما حتى في شكل القطب الشمالي الذي نعرفه اليوم.

الدب القطبي ليس مجرد مخلوق عملاق أبيض، بل هو رمز لقوة الطبيعة وصراعها من أجل البقاء… في عالم يتغير بسرعة قد لا يستطيع معها هذا الوحش الأبيض الاستمرار طويلاً.