يمتد الكون من حولنا بوسعه الهائل وتنوعه المذهل، ويضم داخله أجراماً تتفاوت في الحجم والكتلة واللمعان بشكل يعجز العقل عن تخيله. وبينما نعيش على كوكب الأرض، أحد الكواكب التابعة لمجموعة شمسية ضمن مجرة من بين مليارات المجرات، فإننا لا نزال نكتشف يوماً بعد يوم مدى ضآلة حجمنا أمام عظمة ما يخبئه الفضاء. في هذا المقال، سنأخذ جولة للتعرف على أضخم الكواكب، النجوم، السدم، المجرات، وحتى الثقوب السوداء، وصولاً إلى أكبر بناء كوني تم رصده حتى الآن.
الشمس: ضخمة ولكن ليست الأكبر
لا شك أن الشمس تبدو لنا جرماً هائلاً؛ فهي تكفي لاحتواء أكثر من مليون كوكب بحجم الأرض داخلها، وكتلتها تمثل 99.8% من كتلة النظام الشمسي بأكمله. ومع ذلك، وعلى الرغم من ضخامتها، فهي ليست من بين أضخم النجوم في الكون.
فقد استخدم الفلكيون “نصف قطر الشمس” كوحدة معيارية لقياس أحجام النجوم الأخرى، ليكتشفوا نجوماً تتفوق عليها بأضعاف مضاعفة، كما سنرى لاحقاً.
جي كيو لوبي بي: أضخم كوكب مكتشف خارج المجموعة الشمسية
في عام 2005، أعلن علماء الفلك عن اكتشاف جرم فضائي خارج المجموعة الشمسية يدور حول النجم الشاب “جي كيو لوبي”، أطلق عليه لاحقاً اسم جي كيو لوبي بي (GQ Lupi b). استغرق هذا الكوكب في دورانه حول نجمه أكثر من ضعف المدة التي يستغرقها بلوتو للدوران حول الشمس.
وفي عام 2020، تم تأكيد أن هذا الجرم هو كوكب شبيه بكوكب المشتري، لكنه يتفوق عليه حجماً بشكل كبير، إذ يبلغ قطره نحو 3.5 ضعف قطر المشتري، الذي يُعد بالفعل أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية. لذلك، حصل على لقب أكبر كوكب خارج المجموعة الشمسية، على الأقل وفقاً للتقديرات الحالية.
لكن، هل سيظل هذا الكوكب محافظاً على لقبه؟
في الحقيقة، لا يمكن الجزم بذلك. فالفلك لا يزال مليئاً بالأسرار، ولم نستكشف سوى جزء يسير منه. كما أن كوكب “جي كيو لوبي بي” نفسه يمر بمرحلة تقلص تدريجية في حجمه مع مرور الوقت. ومع ذلك، يظل الأكبر حتى يثبت العكس.
UY Scuti: النجم الأضخم في الكون
إذا ظننت أن الشمس ضخمة، فدعنا نعرفك على نجم UY Scuti، والذي يُعتبر أكبر نجم معروف حتى الآن. يقدر نصف قطره بـ1700 ضعف نصف قطر الشمس، أي أن حجمه يعادل تقريباً خمسة مليارات مرة حجم الشمس.
ولكي تتخيل مدى ضخامته، يكفي أن تعلم أنه إذا وضعناه في مركز مجموعتنا الشمسية، فستصل حوافه إلى ما بعد مدار كوكب المشتري، بل إن الغازات والغبار التي تنبعث منه ستتجاوز مدار كوكب بلوتو.
اكتُشف هذا النجم للمرة الأولى عام 1860 من قبل علماء فلك ألمان في مرصد بون. ويتميز، مثل معظم النجوم العملاقة، بتوهج هائل. ومع ذلك، فإننا نراه من الأرض بسطوع أقل بتسع مرات من سطوعه الفعلي، والسبب هو المسافة الشاسعة التي تفصلنا عنه.
سديم العنكبوت: أضخم سديم في الكون
في منتصف القرن الثامن عشر، لاحظ الفلكي الفرنسي نيكولا لوي خلال رحلته إلى رأس الرجاء الصالح وجود جرم ضخم وغامض في السماء. لاحقاً، ومع تطور التصوير الفوتوغرافي، تبين أن هذا الجرم ما هو إلا سديم هائل يشبه أرجل العنكبوت، فأُطلق عليه اسم سديم العنكبوت.
ويقع هذا السديم على بُعد حوالي 170 ألف سنة ضوئية من الأرض، ويمتد على أكثر من 1800 سنة ضوئية، مما يجعله أكبر سديم معروف حتى الآن. كما يُعدّ هذا السديم “حاضنة نجمية” ضخمة تتكوّن فيها أعداد هائلة من النجوم الشابة، لذلك يُصنَّف كأكثر المناطق نشاطاً نجمياً في مجرة ماجلان الكبرى، والتي تدور حول مجرتنا “درب التبانة”.
ويمتاز السديم بلمعان شديد ناتج عن تركيز هائل للنجوم، ما يجعله مرئياً من الأرض رغم بعده الكبير.
مجرة IC 1101: الأضخم على الإطلاق
تنقسم المجرات إلى ثلاثة أشكال: قزمية، حلزونية، وبيضاوية عملاقة. مجرتنا “درب التبانة” تنتمي إلى المجرات الحلزونية متوسطة الحجم ويبلغ قطرها نحو 100 ألف سنة ضوئية. لكن بالمقارنة، فإن مجرة IC 1101 تُعتبر عملاقة بكل المقاييس، إذ يتجاوز قطرها 5.5 مليون سنة ضوئية، أي أنها أكبر من درب التبانة بـ2000 مرة!
تم اكتشافها عام 1970 من قِبل الفلكي البريطاني فريدريك هيرشل، وتُعدّ من أكثر المجرات لمعاناً، ويظهر لونها أصفر ذهبي بسبب وفرة النجوم الغنية بالمعادن، التي يُعتقد أن بعضها أقدم من الشمس.
ولا يقتصر تميز هذه المجرة على حجمها ونجومها، بل يُعتقد أيضاً أنها تحتوي على أضخم ثقب أسود مركزي في الكون.
ومن الحقائق اللافتة أن المجرات ذات اللون الأصفر أو الأحمر غالباً ما تكون في حالة “خمول نجمي”، أي لا تولّد نجوماً جديدة، مما قد يجعلها تختفي مستقبلاً رغم ضخامتها.
TON 618: أضخم ثقب أسود معروف
الثقوب السوداء من أكثر الأجرام الفضائية غموضاً، وتُعرف بأنها مناطق ذات جاذبية خارقة لدرجة لا يفلت منها حتى الضوء.
لكن الثقب الأسود المعروف باسم TON 618 يتجاوز كل التصورات، إذ يُعدّ أضخم ثقب أسود مكتشف حتى الآن، وتقدّر كتلته بـ66 مليار كتلة شمسية!
ويحيط بهذا الثقب ما يُعرف بـ”الكويزر”، وهي منطقة غازية شديدة الحرارة، تصل حرارتها إلى مئات الآلاف من الدرجات المئوية، وتبعث إشعاعاً وضوءاً يفوق بريق 140 تريليون شمس، مما يغطي على ضوء المجرة المحيطة ويجعلها غير مرئية من الأرض.
سور هركيوليس-كورونا بوريالس العظيم: أضخم بناء كوني
وفي عام 2013، وبينما كان علماء فلك أمريكيون ومجريون يحلّلون بيانات من مرصد فضائي خاص بأشعة غاما، اكتشفوا ما يُعتقد أنه أضخم شيء في الكون: “سور هركيوليس-كورونا بوريالس العظيم“، وهو تشكيل كوني هائل يمتد بطول 10 مليارات سنة ضوئية، ويضم بداخله مليارات المجرات!
يقع هذا “السور” في اتجاه كوكبتي “هرقل” و”الإكليل الشمالي”، وتمت ملاحظته من خلال تكتلات انفجارات أشعة غاما. وتبين لاحقاً أن السور ليس مستقيماً، بل مستدير نسبياً، مما جعل العلماء يقترحون له أسماء جديدة مثل “سور انفجار أشعة غاما العظيم“.
واقرأ أيضًا عن ⇐ غابات الموت: بين الواقع والأساطير
خلاصة القول
من الكواكب العملاقة إلى النجوم فائقة الحجم، ومن السدم الواسعة إلى المجرات الهائلة، وصولاً إلى الثقوب السوداء والسور الكوني الأكبر… يقدّم لنا الكون مشهداً مذهلاً لحقيقة أن ما نعرفه ما هو إلا جزء ضئيل جداً من كل هذا الاتساع. لذلك، فإن استكشاف الفضاء لا يعني فقط البحث عن الحياة، بل هو أيضاً رحلة لفهم مدى عظمة هذا الكون الذي نحن جزء صغير منه.