حكم الحزن على الميت بعد ثلاثة أيام

السلام عليكم، ما حكم لبس الحداد ولبس الملابس السوداء على المتوفى في الشرع؟ عِلمًا بأنه منذ أن توفيت ابنتي منذ ٤ سنوات، لا اعتراض على أمر الله، والحمد لله على كل شيء؛ لكن حزن قلبي على فقدانها يجعلني لا أستطيع لبس أي ملابس ملونة.

الجواب
لا يجوز الحداد على الميت أكثر من ثلاثة أيام إلا إذا كان هذا الميت زوجا للمرأة، فعن أم عطية -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: «كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز» أخرجه الإمام البخاري في صحيحه قال الكمال ابن الهمام في “فتح القدير” (٤/ ٣٣٦، ط/ دار الفكر): [وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام ولها زوج له أن يمنعها؛ لأن الزينة حقه …

وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها، وبه يفوت حقه].

قال الإمام السرخسي في “المبسوط” (٥٩/٦، ط/ دار المعرفة): [وصفة الحداد أن لا تتطيب ولا تدهن ولا تلبس الحلي ولا الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران لأن المقصود من هذا كله التزين ، وهو ضد إظهار التحزن].

ليس ثمة لون معين من الثياب تمنع المرأة المحدة من لبسه إلا ما قصد به التزين شرعا أو عرفا؛ فما كان كذلك يمنع، وما كان بخلافه فلا.

أما بخصوص الثياب البيضاء؛ فلا تمنع المرأة المحدة من لبسها إلا من جهة اعتبار العرف أنها ثياب زينة؛ ففي “حاشية الدسوقي على الشرح الكبير” للشيخ الدردير (٢/ ٤٧٨، ط. دار الفكر): [وتلبس -أي: المرأة المحدة- البياض كله رقيقه وغليظه.

قال في “التوضيح”: ومال غير واحد إلى المنع من رقيق البياض، والحق أن المدار في ذلك على العوائد؛ ولذا قال في “الكافي”: والصواب أنه لا يجوز لبسها لشيء تتزين به بياضا كان أو غيره] اه.

وفي “شرح المنتهى” للإمام البهوتي الحنبلي (٣/ ٢٠٤، ط. عالم الكتب): [(ولا) تمنع -أي: المحدة- من (لبس أبيض ولو حسنا)] اه.

وأما الثياب السوداء فتباح ولو صبغت لا بقصد الزينة -كما تقدم في كلام الشيخ الخطيب الشربيني- وفي “شرح المحلي على منهاج النووي” (٤/ ٥٣، “بحاشيتي قليوبي وعميرة”، ط. دار الفكر، بيروت): [(و) يباح (مصبوغ لا يقصد لزينة) بل لمصيبة، أو احتمال وسخ كالأسود والكحلي لانتفاء الزينة] اه. فإن قصد بها التزين منعت؛ قال الشيخ القليوبي في “الحاشية” معلقا على قول الشارح: [(كالأسود): إذا لم تكن عادتهم التزين به، وإلا كالأعراب فيحرم] اه.

وزاد المالكية: أن الأسود يمنع أيضا إذا كانت المرأة شديدة البياض فيزيدها جمالا؛ ففي “الشرح الكبير” للشيخ الدردير (٢/ ٤٧٨، ب”حاشية الدسوقي”، ط. دار الفكر): [(وتركت المتوفى عنها التزيين بالمصبوغ) من الثياب (ولو) كان (أدكن) بدال مهملة لون فوق الحمرة ودون السواد (إن وجدت غيره) (إلا الأسود) فلا تترك لبسه إلا إذا كانت ناصعة البياض أو كان هو زينة قوم، فيجب تركه] اه.

وعليه: يتبين أنه ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المحدة، وإنما المعتبر في ذلك هو قصد الزينة وعدمه؛ فما كان بقصد الزينة منع، وما كان بخلافه فلا يمنع، والضابط في الزينة هو العرف -كما مر-، وإذا تقرر ذلك فالأبيض إذا كان من الزينة في عرف بلد السائل فيحرم، وإلا فلا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: دار الإفتاء المصرية

المزيد: كيفية التوبة من الزنا — دار الإفتاء توضح الأمر