خطبة: مسؤولية الآباء والأبناء تجاه أهل التعليم

الخطبة الأولى

إخواني الكرام أخواتي الكريمات: لقد شرف الله ﷻ أهل العلم والتعليم. وهذا دليل تشريفهم. قال ﷻ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. وقال ﷻ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

تلك هي قيمة أهل العلم وقيمتهم عند الله ﷻ. ولكن ماهي قيمتهم عندنا ما هي قيمتة ومكانة قوم قال رسول الله عنهم وعن الذين يعلمون الناس الخير منهم بالخصوص.

أخرج ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني واللفظ للترمذي عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ رضي الله عنه قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».

ما هي قيمة ومكانة هؤلاء الذين يشرفون على تعليم أبنائنا وبناتنا في أي مستوى من التعليم كانوا. إنها مكانة لا تليق بهاته الفئة المهمة من المجتمع وإن هذا الذي نسمعه يوميا من قدح موجه لرجال التعليم أمر غير مقبول.

ومن هنا نفهم سر تقدم الآخرين وتخلفنا فالآخرون يحترمون رجال التعليم والعلم الذي يقدمونه. وبهذا يتقدمون. وذلك لما اقتنعوا به من أهمية وضرورة التعليم في صناعة دول متقدمة وقوية. إخواني الكرام أخواتي الكريمات: إن المعلم الذي يتطاول عليه معظم الناس اليوم عنصر مهم في كل المجتمعات وفي كل زمان. وإليكم البيان: هل يمكن أن نحصل على طبيب بدون معلم أو على مهندس بدون المعلم أو ربان الطائرة أو الممرض والممرضة أو الموظف في الإدارة أو ما شئت. طبعا لا يمكن.

بل حتى الإنسان الذي لم يكمل دراسته فإنه في الغالب يتعلم من المعلم ما يكفيه لقراءة القرآن الكريم وأي فضل أكبر من هذا. ولكن ومع الأسف فهذا العنصر من المجتمع الذي قدم للمجتمع كل الأطر التي تحتاجها الدولة والمواطنين بات معرضا للنقد غير المشروع في غالب الأحيان.

لا بل إن البعض بات يحمله مسؤولية تردي التعليم ووصوله إلى هذا المستوى المؤسف ولكن الحقيقة غير ذلك حيث أن وصول التعليم إلى هذا المستوى يتحمل مسؤوليته العديد من الأطراف أهمها الآباء نعم أيها ألإخوة الكرام إن الوالدين يتحملون مسؤولية انحطاط التعليم وذالك لأنهم لم يعودا يرسلوا إلى المدرسة في الغالب طبعا أبناء مؤدبين ومهذبين ومربين تربية يحترمون من خلالها من يربيهم وبذالك يستفيدون من علمه من ذا من الولدين مثلا يجلس مع ابنه أو ابنته مثلا إذا وصل إلى الإعدادية في أول السنة ثم ينصحه بأن يحترم الأساتذة وأنه لن يتسامح معه أو يتساهل معه إذا بلغه أنه يقلل الأدب مع من يعلمه لا أعتقد أن أحدا يفعل هذا إلا من رحم الله ﷻ.

ويوم كان الناس يفعلون مثل هذا أنتجوا رجالا مثل سفيان الثوري. وستأتي قصته فيما بعد بحول الله ﷻ.

فإذا كنت أيها الأب تقصر في تربية أبنائك كل التقصير وأنت المسؤول عنهم بالدرجة الأولى أمام الله ﷻ. قال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

كيف تلوم بعد ذلك المعلم. بل إن الأغرب من هذا أن بعض الآباء يحتجون على المعلم إذا ضرب أبناءهم فإذا قدر الله ﷻ واستدعته الإدارة لتشتكي له سلكيات ابنه اذا به يعترف قائلا: لقد هزمني هذا الولد وأتعبني. والإعتراف سيد الأدلة كما يعبرون. أما الفتيات فمشكلتهم مشكلة وأمر الوالدين أمر جلل في مسألة البنات.

فبالله عليكم كيف ينتقد المعلم ويشتكي من رداءة التعليم هذا الذي تخرج ابنته إلى الإعدادية أو الثانوية بلباس كله فتنة وشر.

ثم بعد ذلك تجده يفتح فاه إلى قفاه ما بقي علم ما بقات اقراية ما بقى حيا وكأن تلك الفتاة صاحبة اللباس العاري التي تفتن وتفتن وتساهم في خلق أجواء لا تليق بقدسية العلم وكأنها ليست ابنته أو كأنها تخرج من عنده بحجابها ثم تعود إليه متبرجة من عند الأستاذ.

إنها ابنتك يا أخي وأنت المسؤول عنها.

ولا تدعي أنك تعرف ابنتك وأنها لن تقع فيما يغضب الله فهذا وهم ثم إن خروجها إلى طلب العلم بمثل هذا اللباس في حد ذاته جريمة قبيحة عباد الله لقد صح عن معلم البشرية عليه السلام أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع.

ووالله إني لأتساءل هل تضع الملائكة أجنحتها لفتاة تخرج لطلب العلم كاشفة لما أمر الله ﷻ بستره ناشرة للفتنة يمينا وشمالا لا أعتقد والله أعلم أن يكون هذا.

إذا لماذا لا تستر ابنتك أخي حتى لا يخيب سعيها بإذن الله ﷻ. وأما الفتيان والشباب فنصيحة لكم إخواني إنكم أول الخاسرين وأكبر الضائعين إذا لم تحترموا من يعلمكم وتتواضعوا لهم حتى تستفيدوا. ثم إن كثيرا من المتعلمين يتطاولون على من يعلمهم معتمدين في قلة آدابهم على أحسابهم وأنسابهم بأنه ابن فلان وعلان فلا ينبغي أن يلومه الأستاذ على عدم إنجاز الواجب مثلا وأن يحصل على نقط ربما لا يستحقها وإن لم يطاوع الأستاذ توعده بكل الشرور وربما سبه وشتمه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإلى هذه الفئة نبعث بهذه الرسالة النبوية أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

وكأنها رسالة خاصة بطالب العلم الذي يتطاول بنسبه على من يعلمه أنه لن ينفعه إلا علم يورثه عملا صالحا أما نبسه وإن نفعه في الدنيا فحتما سيتخلى عنه يوم القيامة؛ والسلام.

الخطبة الثانية

إخواني الكرام أخواتي الكريمات إننا لا ننفي أن هناك من رجال التعليم من يقصر في أداء الواجب المفروض عليه ولكن الحقيقة التي ينبغي أن تعرف هي أن هذا ليس عاما في رجال التعليم وإنما فيهم من الخير والجد كما في غيرهم ونتمنى أن يكونوا أغلبية. وفيهم غير ذلك. شأنهم في ذلك شأن كل القطاعات.

ولذلك لا ينبغي أن يوصفوا جميعا بالغش أو التكاسل لأن ذلك ظلم في حق المجدين منهم وأما هذا الذي ذهبنا إليه من أن المسؤولية أو القسم الأكبر من المسؤولية التربوية تقع على عاتق الآباء في تهيئة أبنائهم تهيئة تساهم في الرفع من مستوى التعليم فهذا الأمر قد وفق الله ﷻ إليه امرأة مسلمة في أيام عز المسلمين ألا وهي أم العلامة سفيان الثوري رحمه الله ﷻ قال سفيان رحمه الله يحكي قصته أنه لما بلغ مرحلة طلب العلم وهو لا يزال صبيا طبعا أن أمه قالت له وهي توصيه قبل أن يبدأ الطلب: يابني خذ هذه عشرة دراهم ثم اذهب وتعلم عشرة أحاديث من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام فإن وجدتها تغير في جلستك ومشيتك وكلامك مع الناس فواصل التعليم وأنا أعينك بمغزلي هذا.

وإن لم تغير من طباعك شيئا فاترك التعليم فإنني أخشى أن يكون وبالا عليك ويا سبحان الله لقد انطلق في الميدان بفضل الله ﷻ ثم بحرص هذه الأم الرائعة إلى أن صار عملاقا من عمالقة العلم والحديث –رحمه الله ﷻ- حيث بلغ عدد الذين رووا عنه الحديث عشرون ألف. والفضل يعود -بعد رب العالمين سبحانه- لهاته الأم الحريصة كذلك.

عن عمار بن أبى عمار: أن زيد بن ثابت ركب يوما فأخذ ابن عباس بركابه، فقال له: تنح يا ابن عم رسول الله – ﷺ – فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا فقال زيد: أرنى يدك، فأخرج يده، فقبلها فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وقال الشافعي: (كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك-رحمه الله ﷻ-صفحا رقيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها).

وقال الربيع بن سليمان: (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له). وقال الشافعي أيضا: (قيل لسفيان بن عيينة: إن قوما يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا أو يتركوك. فقال للقائل: <هم حمقى إذا هم تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي>).

وقال أحمد بن سنان: (كان عبد الرحمان بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا برى قلم ولا يقوم أحد. كأنما على رؤوسهم الطير أو كأنهم في صلاة). وقيل: (أربعة لا يأنف الشريف منهن وإن كان أميرا: قيامه من مجلسه لأبيه. وخدمته للعالم يتعلم منه. والسؤال عما لا يعلم. وخدمته للضيف).

وقبل أن نترككم؛ هذه: خطبة عن العودة للمدارس