خطبة مكتوبة عن حادثة الإسراء والمعراج

نقدم هنا خطبة مكتوبة عن حادثة الإسراء والمعراج لكل أئمتنا وخطبائنا ليُذكِّروا المسلمين بهذه المعجزة الخالدة، وهذه الرحلة العظيمة التي أكرم بها الله ﷻ نبيّه.

مقدمة الخطبة

الحمد لله ذي الفضل والهبات، يرفع عباده المؤمنين درجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الصلاة والنسك والمحيا والممات، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، المرسل بالرحمة والهدى والبينات، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المهتدين الثقات.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- فمن اتقاه نال رضاه ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: لقد مضت سنة الله أن يبتلي عباده ويختبرهم؛ لينكشف المؤمن الحق ممن يدعي الإيمان ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا﴾، ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ | وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾، والابتلاء يكون بالشر والخير، وقد بين القرآن هذه الحقيقة فقال: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، فالعلم ابتلاء، والولد ابتلاء، والمال ابتلاء، والمنصب ابتلاء، وبعد ذلك رجوع إلى الله ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾.

وفي الابتلاء – عباد الله – حكمة ربانية؛ فإن من شأن الابتلاء أن يحرك قلب الإنسان للاتصال بالله؛ فيتعلق القلب أيما تعلق بالله، فيرى الإنسان لطف الله وعنايته وكرمه رأي العين، فيمتلئ القلب يقينا بالله، ولما كان المؤمن على هذه الحال من الإيمان، كان ما يصيبه خيرا وإن كان ظاهره شرا؛ لأن التسليم يرفعه عند الله درجات، وقد عجب النبي ﷺ من حال المؤمن فقال: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له»، ولئن كان الابتلاء بالشر أدعى إلى رجوع الإنسان إلى الله؛ فإن الابتلاء بالخير كثيرا ما ينسي صاحبه أنه في اختبار؛ فتأخذه النعمة إلى هنا وهناك، ويأخذ يتقلب فيها ويشتغل بها، ناسيا ما عليه من الواجبات، غافلا عن الحقوق في تلك النعمة، وللامتحان زمن، ومتى ما انتهى الزمان فات اغتنام الفرصة، وقد قيل: اغتنم رياحك إذا هبت قبل أن يسكن هبوبها، وباختلاف الأداء في الابتلاءات تفاوتت الدرجات، واختلفت المقامات، يقول ربنا جل جلاله: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.

يا أيها الذين آمنوا: إن من الاختبارات العظمى التي كانت للأمة اختبار القبلة على عهد رسول الله ﷺ، ذلك الاختبار الذي انكشف فيه حق الإيمان من زائفه، وظهر للمؤمنين أن الإنسان لا يلتفت إلى مقال الناس، بل يجب أن تكون غايته طلب رضوان الله، وفي حادثة تحويل القبلة درس مفاده أن الطاعنين في الدين لا يتوقفون عن طعنهم، ولو وافق أمر الله ما كانوا يظهرون أنهم يريدونه، فقد كان النبي ﷺ يستقبل بمكة المكرمة بيت المقدس، جاعلا الكعبة المشرفة بين يديه، ولم يكن قد ظهر لأهل مكة أنه يستقبل بيت المقدس، بل كانوا يعتقدون أنه يستقبل الكعبة، ولو كانوا يعلمون أنه يستقبل بيت المقدس لقالوا إن محمدا يتبع اليهود، فلما هاجر إلى المدينة المنورة لم يكن بإمكانه أن يجعل الكعبة المشرفة بين يديه، فظهر للناس أنه يستقبل بيت المقدس، فقال المشركون إنه قد تبع اليهود، وبقي النبي ﷺ يستقبل بيت المقدس في صلاته بالمدينة ستة عشر شهرا، ولذلك كان المسجد الأقصى أولى القبلتين، والمؤمنون يعملون ما يعمله النبي ﷺ؛ فإنه هو الأسوة الحسنة.

ولما جاء الأمر – أيها المؤمنون- من الله لنبيه محمد ﷺ باستقبال الكعبة المشرفة، ما كان من المؤمنين الصادقين إلا أن سارعوا إلى الامتثال، من غير قيل وقال، وقد ضربوا في ذلك أعلى الأمثلة، فقد بدأ النبي ﷺ بالصلاة إلى الكعبة المشرفة في صلاة العصر، وكان ذلك في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة، فمر أحد الصحابة الذين صلوا مع النبي ﷺ صلاة العصر بجماعة يصلون إلى بيت المقدس، لم يبلغهم خبر تحويل القبلة، فأخبرهم بأمر الله، فاستداروا إلى الكعبة المشرفة وهم يصلون، وقد تأخر وصول الخبر إلى أهل قبا إلى صلاة الصبح من اليوم الثاني، فنادى فيهم مناد وهم يصلون: «إن رسول الله ﷺ أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستداروا وهم يصلون»، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه الأوفياء المتقين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنه لما كان قول المؤمنين ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، كان حال المنافقين ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، وطعنوا في الدين وشككوا المسلمين، وقال المشركون الذين كانوا قد قالوا تبع اليهود عندما تبين لهم أنه استقبل بيت المقدس: لقد اشتاق محمد إلى بلده، وسيرجع إلى دينكم قريبا، فيا للعجب! طعنوا في الدين عندما استقبل بيت المقدس، وطعنوا في الدين عندما استقبل الكعبة المشرفة، وهذا دأب الطاعنين في الدين في كل زمان ومكان؛ فإن شغلهم الشاغل الطعن في الدين، ولو وافق الدين ما يرغبون فيه، متحققا فيهم قول الله سبحانه وتعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، وطعن اليهود في الإسلام بعد التحول عن استقبال بيت المقدس، وأخذوا يشككون الناس ويفتنونهم، متجليا فيهم قول الله: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾.

ولم يكن أمر المؤمنين – عباد الله – مقتصرا على طلب الرضوان لهم، بل إنهم سألوا عن حال إخوانهم ممن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وماتوا قبل أن يستقبلوا الكعبة، فقد خافوا أن تكون صلاة إخوانهم غير مقبولة، فجاءت البشارة من الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وقد تجسد فيهم قول النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.


وهنا مُقترحنا لكم: 8 خطب مكتوبة عن الإسراء والمعراج