موقف الصحابة من أسرى بدر

أسر المسلمون يوم بدر سبعين من المشركين فسأل الرسول ﷺ أصحابه: ما ترون في هؤلاء الأساري؟ قال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أري أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسي أن يهديهم الله إلي الإسلام، وقال عمر بن الخطاب: أري أن تمكننا فنضرب أعناقهم حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده وقد كذبوك وأخرجوك.. مالنا وللغنائم يا رسول الله؟ نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله.

لم يرد الرسول فورا ولكنه دخل مسكنه فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس: يأخذ بقول عمر، ثم خرج عليهم الرسول ﷺ وأصدر أوامره بقبول الفدية من الأسري وليس بقتلهم (أي إنه أخذ برأي أبي بكر ولم يأخذ برأي عمر).. فلما كان الغد جاء عمر فوجد الرسول وأبا بكر يبكيان، فقد نزلت الآية الكريمة مؤيدة لموقف عمر ومعاتبة لموقف الرسول وأبي بكر.. يقول الله ﷻ: ما كان لنبي أن يكون له أسري حتى يثخن في الأرض.. تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم [الآية 67 من سورة الأنفال].

فالآية الكريمة تعتب علي المؤمنين لأنهم آثروا الفداء علي القتل والإثخان في الأرض، وذلك لأن غزوة بدر كانت أول معركة حاسمة بين الشرك والإيمان، وكان المسلمون فيها قلة والمشركون كثرة، فلو أن المسلمين آثروا المبالغة في إذلال أعدائهم عن طريق القتل لكان ذلك أدعي لكسر شوكة الشرك وأهله، وأظهر في إذلال قريش وحلفائها، وأصرح في بيان أن العمل علي إعلاء كلمة الله كان عند المؤمنين فوق متع الدنيا وأعراضها (الفداء)، وأنهم لا يوادون من حارب الله ورسوله مهما بلغت درجة قرابته، ويومها قال الرسول ﷺ: لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك..

ولكن الله كان لطيفا بعباده المجتهدين؛ حيث لم يكن هناك حكم سابق بهذا الخصوص، فأنزل قوله ﷻ: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، ثم أحل لهم الغنائم التي غنموها في هذه الغزوة بقوله ﷻ بعد ذلك: فكلوا مما غنتم حلالا طيبا واتقوا الله، إن الله غفور رحيم.

وهذا الحكم خاص بيوم بدر فقط لأن المسلمين كانوا قليلين، فلما كثروا وقوي سلطانهم أنزل الله بعد ذلك في الأسارى (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا).. [من الآية الخامسة من سورة محمد]، والآيتان متوافقتان، فإن كلتيهما تدل علي أنه لابد من تقديم الإثخان [المبالغة في قتل العدو] ثم بعده أخذ الفداء.