حديث المصايف‏!‏

مع بداية شهر سبتمبر تنتهي الاجازات ويعود الباريسيون الي أعمالهم بعد أن أغلقوا محلاتهم وشركاتهم طوال شهر أغسطس ليستمتعوا بأشعة الشمس المحرومين منها معظم شهور السنة، وليبتعدوا قليلا عن الجد والجدية التي تحكم وتتحكم في حياتهم طوال العام!

وبرغم بداية هطول المطر في سبتمبر يتعمد الفرنسيون بصفة عامة والفرنسيات بصفة خاصة أن يظهروا أكبر مساحة ممكنة من أجسادهم ليتباهوا بلون بشرتهم البرونزية التي اكتسبوها، وكلما كان اللون الأسمر داكنا كلما عبر عن طول مدة الاجازة.

هناك في أوروبا اللون الأسمر البرونزي له قيمة عالية جدا بعكس الجلد الأبيض أو الأصفر أو حتى الأحمر، والأوروبيون خاصة النساء مستعدون لدفع تحويشة العام للتخلص من اللون الأبيض ولهذا تجدهم رجالا ونساء ممدين على البلاجات ليعرضوا أجسادهم لأشعة الشمس من السادسة صباحا حتى العاشرة مساء وهو موعد الغروب في أوروبا الغربية، ويوم الأحد هو يوم الشمس كما يسمونه بالإنجليزية تجدهم في الحدائق العامة عارضين أجسادهم أملا في الحصول على جرعة شمس.

حديث الناس كل الناس هناك طوال شهر سبتمبر يدور حول إجازات الصيف والمصايف والبلاجات والدول او المقاطعات التي زاروها، والفنادق ومستوي الخدمات والمأكل والمشرب وعادات وتقاليد الشعوب الأخرى واختلافاتها. والفرنسيون هم الشعب الوحيد في العالم الذي يجهر بالحقائق، فهم شعب تعود علي الحرية وترعرع في أحضانها بالإضافة إلي ثقتهم في أنفسهم نتيجة للموروث الثقافي والحضاري والتاريخي كل ذلك وغير ذلك من تميز وامتياز أصابهم ببعض الغرور والصلف والكبرياء، والحق يقال: إن مقاييس الاحترام عندهم بعيدة تماما عن الغني أو الفقر، فهي قائمة علي ثقافة الإنسان ومعرفته ومدي احترامه لنفسه وللآخرين. وقيمة الإنسان هناك فيما يقدمه للمجتمع من إبداعات وإضافات وأمانته وصدقه في التفكير وفي التعامل مع الناس ومع المجتمع… فمن يتهرب من الضرائب مثلا أو يغتصب حقوق الأفراد أو يخالف القوانين التي ارتضاها المجتمع فهو منبوذ من جموع الناس، وأبسط الأمثلة علي ذلك إذا خالفت إشارة المرور أو تركت سيارتك علي الرصيف أو في أماكن عبور المشاة فسوف يهجم عليك عشرات الناس من الأفراد العاديين ليعطوك درسا في الأخلاق لن تنساه، فما بالك اذا ارتكبت مخالفة أكبر في حق الفرد أو المجتمع هناك؟

حقيقة وبلا أدني مبالغة نحن جميعا في حاجة إلى بعثة… أو رحلة طويلة لنتعلم منهم كيف نعيش، وكيف نتعامل مع بعضنا البعض، وكيف نقوم بواجباتنا قبل أن نطالب بحقوقنا.. فما رأيك؟