خطب مكتوبة

خطبة عن العمل؛ بعنوان «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»

مقدمة الخطبة

الحمدُ للهِ صانعِ كلِّ صانعٍ وصنعتِه، ورازقِ كلِّ مرزوقٍ ورزقتِه، العلامِ بمن مقصودُهُ الرياءُ وبمن أخلص له بنيّتِه، منع فمن ذا الذي يمنعُ نفاذَ قدرتِه، وأعطى فكلُّ شيءٍ يحصلُ في الدنيا والآخرةِ بخلقِهِ وعلمِهِ ومشيئتِه، وشرع فشهدت العقولُ السليمةُ بصحةِ شريعتِه.

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له المنزَّهُ عن النظيرِ والمثيلِ شهادةً تنجينا يوم القيامةِ من كربتِه.

وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا محمدًا عبدُه ورسولُه ﷺ سيدُ ولدِ إسماعيل وأفضلُ خليقتِه، اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه حماةِ سُنَّتِه.

الخطبة الأولى

عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسيْ بتقوى اللهِ العظيم، اتقوا اللهَ ﷻ في السرِّ والعلنِ، اتقُوا اللهَ تعالَى القائلَ في كتابهِ العظيمِ:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا”(سورة الأحزاب) .

وتفكّرْ أخي المسلمَ في قولِ اللهِ ﷻ: “أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى”(سورة العلق:14) واجعلْه نُصْبَ عينيك.

فاللهَ اللهَ يا عبادَ الله.

إخوةَ الإيمان والإسلام: من أرادَ أن يتّخذَ قدوةً فليقتدِ بالأنبياءِ والصالحين، لا بالفسقةِ والطالحين، فإنه لنا في أنبياءِ اللهِ ﷻ القدوةُ الحسنةُ، في دنيانا وأخرانا، ومن ذلك أن نقتديَ بهم في العملِ، أن نعملَ في دنيانا لما يقوينا على طاعةِ ربّنا، فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ عن الصحابيِّ الجليلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ” فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: “نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ” وهذا نبيُّ اللهِ زكريا عليه السلامُ كان نجّارا، ليس هذا فحسب؛ بل إن نبيَّنا ومعلِمَنا رسولَ الله ﷺ حث على العملِ ومدحه؛ حيث قال: “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ” فهذا حثٌّ عظيمٌ من رسولِ اللهِ ﷺ على العمل، وليس على الكسلِ الذي كان يستعيذُ منهُ رسولُ الله ﷺ؛ فقد روى البخاريُّ عن الصحابيِّ الجليلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ” فاستعذ يا عبدَ اللهِ من الكسلِ بلسانِكَ وفعلِكَ، واخرجْ للعملِ الذي يعينُكَ على طاعةِ اللهِ ﷻ. كثيرٌ من الناسِ يبقونَ مستيقظينَ في الليلِ على التلفازِ ونحوِهِ ثم لا يستيقظونَ على الفجرِ ولا في الصباحِ، ثم يأتي ويقولُ لك: يا شيخ ما في شغل!! والنبيُّ ﷺ يقول: “بُورِكَ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا” فالبركةُ في التبكيرِ، بأن تستيقظَ لصلاةِ الفجرِ وتصلي، ثم تذكرَ اللهَ ﷻ حتى تطلُعَ الشمسُ فتخرُجَ إلى طلبِ الرزقِ، ففي هذا الوقتِ البركة.

إخوة الإسلام: روى أبو داود في سننِهِ عن الصحابيِّ الجليلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: “أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟” قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ: “ائْتِنِي بِهِمَا” قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ وَقَالَ: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟” قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ: “مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ” مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: “اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ” فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: “اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا” فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ” فأي حثٍّ هذا من رسولِ الله ﷺ على العمل، وعدم الكسلِ وطلبِ المالِ مع القدرةِ على العمل.

أخي المسلم: اعلم أن شرط قبول الأعمال الصالحة من صلاة وحج وصدقة ونحوها عند الله ﷻ هو الإسلامُ، قال الله ﷻ: “وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” (النساء: 124) فقَيْدُ قَبولِ الأعمالِ الصالحةِ هو الإيمانُ باللهِ ﷻ.

نسألُ اللهَ ﷻ أن يرحمَنا رحمةً واسعة، وأن يرزقَنا الجنةَ وما يُقرِّبُ إليها من قولٍ أو عمل.

هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ لهُ النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحَسَنُ والصلاةُ والسلامُ على سيدنَا محمدٍ سيدِ البشرِ.

عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأطيعوهُ.

أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: يقولُ النبيُّ ﷺ: “إن الله يحبُّ أحدَكم إذا عمل عملا أن يتقنَه” قالوا: وما إتقانُهُ يا رسولَ الله؟ قال: “أن يُخلِصَهُ من الرياءِ والبدعةِ” فهذا هو إتقان العملِ والعبادةِ كائنةً ما كانت، من صلاةٍ وصومٍ أو عملٍ في حِرفةٍ للنفقةِ على الزوجِ والأولادِ أو نحوِ ذلك، فكل ذلك عملٌ وعبادةٌ لله ﷻ، فإتقانُها بأن تكونَ خالصةً للهِ ﷻ لا غير، وأن يكونَ سالما من البدعةِ السيئةِ بحيثُ تجعلُهُ غيرَ موافقٍ لدين الله ﷻ.

وحذارِ أخي المسلم هنا من فهمٍ خطأٍ لحديث النبيِّ ﷺ: “إنما الأعمالُ بالنيات” فالبعضُ أخذه ذريعةً ووسيلةً لأن يعملَ ما يريدُ من الأعمالِ التي تخالفُ شرعَ الله ﷻ ثم إذا كلمتهُ يقولُ لك: “إنما الأعمالُ بالنيات” وليتَه فهم وأدرك معنى الحديثِ، فالحديثُ معناهُ أن الأعمالَ الصالحةَ لا تقبلُ عند اللهِ ﷻ بغيرِ نيةٍ صالحة.

نسألُ اللهَ ﷻ أن يُصلِحَ نياتِنا وأعمالَنا وأحوالَنا، إنه على كل شيءٍ قديرٌ وبعبادِه لطيفٌ خبيرٌ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيْمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقَالَ: “إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلونَ على النبيِّ يا أيُّهَا الذينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” لبيكَ اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمينَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ.

الدُّعـاء

  • اللهمّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات.
  • اللهم فَرِّجِ الكَرْبَ عَنِ الأَقْصَى يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
  • لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ.
  • اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونَحنُ الفقراءُ.
  • اللهم ثبت أقدامَنا على الصراط المستقيم يوم تَزِلُّ الأقدامُ في النار.
  • اللهم فرِّجْ كروبَنا واسترْ عيوبَنا وأَذهبْ همومَنا يا ربَّ العالمين.
  • اللهمّ أغِث قلوبَنا بالإيمانِ واليقين.
  • اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
  • اللهم وَفِّقْ مَلِكَ البلادِ لِمَا فيه خيرُ البلادِ والعبادِ يا ربَّ العالمينَ ارزقْهُ البطانَةَ الصالحةَ التي تأمرُهُ بالمعروفِ وتنهاهُ عنِ المنكرِ.

عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظكُمْ لعلكم تذكرونَ….

وأقمِ الصلاةَ.

رحم الله من اوصلها لمحتاجها.

السابق
ما مدى أمان صيام رمضان لمرضى القلب؟
التالي
ما حكم الأغاني الدينية مع إيقاع في حفلات الزفاف؟