كيف تحقق الألعاب المجانية أرباحًا ضخمة؟

كيف تحقق الألعاب المجانية أرباحًا ضخمة؟

يبدو للوهلة الأولى أن الألعاب المجانية على الهواتف الذكية هي مجرد وسيلة للترفيه بدون أي مقابل، إذ غالبًا ما تُعرض هذه الألعاب بطريقة جذّابة، مع عبارات مثل: “اللعبة مجانية تمامًا”، أو “اضغط الآن واستمتع، ولا تقلق، لا رسوم!”. ولكن، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: كيف تحقق هذه الألعاب أرباحًا رغم أنها مجانية؟

صناعة الألعاب: جهد ضخم وتكلفة عالية

علينا أن نبدأ من الواقع؛ فتصميم لعبة رقمية ليس بالأمر السهل أو الرخيص. فهناك مطورون، ومبرمجون، ومصممون، وفرق تمويل وتسويق، وجميعهم يعملون معًا لإنتاج اللعبة وإخراجها إلى النور.

هذه العملية تستهلك وقتًا ومالًا ومجهودًا ضخمًا. لذلك، من غير المنطقي أن تُقدَّم الألعاب مجانًا دون وجود طريقة لجني الأرباح.

أمثلة واقعية: ملايين الدولارات من ألعاب مجانية

دعونا نُلقِ نظرة على بعض الألعاب الشهيرة:

  • بوكيمون جو: حققت أكثر من 14 مليون دولار في أقل من أسبوع من إطلاقها.
  • بابجي (PUBG): تخطت أرباحها حاجز 1.5 مليار دولار رغم كونها لعبة حديثة نسبيًا.
  • فورتنايت (Fortnite): تجاوزت أرباحها 3 مليار دولار.
  • كاندي كراش (Candy Crush): جنت أكثر من 2 مليار دولار منذ إطلاقها.

كل هذه الأرقام المذهلة تم تحقيقها رغم أن تنزيل الألعاب مجاني، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا: من أين تأتي هذه الأموال؟

نموذج الربح “البريميوم”: المجاني الذي يجذبك للدفع

الحل يكمن فيما يُعرف بنموذج البريميوم (Freemium)، وهي كلمة تجمع بين “Free” (مجاني) و”Premium” (مميز). هذا النموذج يتيح للمستخدم تحميل اللعبة مجانًا، ولكنه يقدم لاحقًا خصائص مدفوعة داخل اللعبة، مثل شراء أسلحة، ملابس، شخصيات، أو خرائط جديدة.

بهذا الشكل، تصبح اللعبة مشروعًا استثماريًا مستمرًا، بدلاً من أن تكون منتجًا يُباع مرة واحدة فقط. فكلما أحب المستخدم اللعبة واندمج معها، زاد احتمال شرائه لتلك الميزات الإضافية، وغالبًا ما يكون الدفع أكثر من سعر لعبة تقليدية مدفوعة بالكامل.

لماذا يدفع المستخدم المال داخل لعبة مجانية؟

تستخدم الشركات طرقًا ذكية لتحفيزك على الشراء، وأشهرها:

  • تقديم اللعبة مجانًا: مما يزيل أي تردد لديك في تحميلها.
  • جذبك بالمستوى الأول: في البداية تكون اللعبة سهلة وممتعة، ثم تبدأ الصعوبة تدريجيًا.
  • خلق إحساس بالحاجة: فجأة يظهر لك خصم قوي يهزمك، وتعرض عليك اللعبة سلاحًا أو فرصة لإنقاذ نفسك بدولار واحد فقط.
  • عنصر الوقت: بعض الألعاب مثل “كلاش أوف كلانز” أو “كاندي كراش” تعتمد على الانتظار لفترات طويلة حتى تتمكن من اللعب مجددًا، وهنا تعرض عليك خيار دفع مبلغ صغير لتجاوز الوقت.

الدفع مقابل الفوز (Pay to Win): السلاح ذو الحدين

هناك أيضًا نمط مثير للجدل، وهو ما يُعرف بـ”الدفع مقابل الفوز”، حيث يمكن للاعب جديد أن يحقق تقدمًا سريعًا بشراء أدوات متقدمة، بينما يستغرق اللاعب المجاني شهورًا للوصول لنفس المرحلة. ورغم أن هذا النموذج يجلب أرباحًا كبيرة، إلا أنه يُفقد اللعبة روح التنافس العادل.

كيف تتم عملية الدفع داخل اللعبة؟

بدلًا من الطلب المباشر للمال، تُقدَّم عملة افتراضية داخل اللعبة، مثل الجواهر أو العملات الذهبية. فعلى سبيل المثال، لا يُطلب منك دفع “دولار لتجاوز المرحلة”، بل يُعرض عليك شراء “50 جوهرة بدولار واحد”، وتستخدم هذه الجواهر داخل اللعبة. هذا الأسلوب النفسي يجعل المستخدم يشعر أنه يربح كثيرًا مقابل مبلغ صغير.

ماذا عن اللاعبين الذين لا يدفعون؟

قد تظن أن المستخدمين الذين لا يدفعون شيئًا لا قيمة لهم بالنسبة للشركة، ولكن الحقيقة عكس ذلك. هؤلاء المستخدمون:

  • يرفعون عدد التحميلات، مما يزيد من شهرة اللعبة.
  • يساهمون في ترتيب اللعبة على المتاجر.
  • يجذبون المعلنين.

وبالتالي، حتى من لا يدفعون، يُعدّون مصدرًا مهمًا للأرباح من خلال الإعلانات التي تُعرض داخل اللعبة.

الإعلانات: مصدر دخل إضافي

تمامًا كما هو الحال في مواقع الإنترنت، تُعد الإعلانات أحد أكبر مصادر الدخل للتطبيقات والألعاب. سواء عبر مقاطع فيديو قصيرة، أو لافتات تظهر أثناء اللعب، أو حتى مكافآت تُمنح لك مقابل مشاهدة إعلان، فإن الشركات تحقق أرباحًا طائلة من المعلنين الذين يرغبون في الوصول إلى جمهور اللاعبين.

وحتى إذا كنت تتخطى الإعلانات دائمًا، فإن الشركة ما تزال تربح منك، لأن:

  • بعض الإعلانات تُحتسب مشاهدتها حتى لو لم تتفاعل معها.
  • قد تُعرض عليك لاحقًا ميزة مدفوعة لإزالة الإعلانات مقابل مبلغ معين.
  • يمكن للشركة جمع بياناتك السلوكية (غير الشخصية) وبيعها أو استخدامها لتحسين اللعبة أو منتجات أخرى.

البيانات: الذهب الرقمي في عالم الألعاب

حتى دون إنفاقك أموالًا، فإن سلوكك داخل اللعبة يُعد مادة ثمينة. تعرف الشركة:

  • متى تلعب.
  • كم من الوقت تقضيه داخل اللعبة.
  • ما هي الأشياء التي تفضلها أو تكرهها.

تُباع هذه البيانات أحيانًا لشركات أخرى ترغب في فهم جمهور الألعاب، أو تُستخدم لتحسين تصميم اللعبة، وبالتالي زيادة احتمالية الربح مستقبلاً.

والخلاصة: لا شيء مجاني تمامًا!

قد تبدو الألعاب المجانية كأنها هدية سخية من المطورين، لكنها في الحقيقة نموذج تجاري ذكي. سواءً دفعت أموالًا داخل اللعبة، أو شاهدت إعلانًا، أو حتى اكتفيت باللعب دون إنفاق شيء، فإنك بطريقة أو بأخرى تساهم في تحقيق الأرباح للشركة المطورة.

فإذا كنت تظن أنك لا تُشكّل مصدرًا للربح لأنك لا تدفع، فدعني أقول لك: أنت مخطئ، فكل لاعب هو جزء من منظومة ربحية مدروسة بعناية.