لطالما سمعنا أن الزائدة الدودية عضو زائد في الجسم لا يؤدي أي وظيفة مهمة، وأن استئصالها لا يؤثر سلباً على صحة الإنسان، بل ربما يقيه من مشاكل مستقبلية. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا الاعتقاد قد يكون خاطئًا تمامًا، بل ويظلم هذا العضو الصغير الذي اتضح أنه يؤدي وظائف حيوية لا غنى عنها.
ما هي الزائدة الدودية؟
الزائدة الدودية عضو صغير أسطواني الشكل، مغلق من أحد طرفيه، يقع في الجزء السفلي الأيمن من البطن، عند بداية الأمعاء الغليظة.
يتراوح طولها الطبيعي بين 7 و10 سنتيمترات، وتشبه في شكلها الدودة، ومن هنا جاء اسمها.
وكثير من الناس يعرفون شخصًا خضع لعملية استئصال الزائدة بسبب التهاب مفاجئ صاحبته آلام حادة في البطن، خصوصًا في المنطقة حول السرة ثم ينتقل إلى الجهة اليمنى السفلية.
الاعتقاد الخاطئ حول عدم أهمية الزائدة
انتشرت بين الناس فكرة أن الزائدة مجرد نسيج عضلي زائد لا يؤدي دورًا حقيقيًا، وأن إزالتها لا تؤثر على الجسم. هذا التصور أدّى إلى ثقافة واسعة تقلل من قيمة هذا العضو، مما جعل الأطباء سابقًا لا يترددون في استئصالها بمجرد ظهور أعراض الالتهاب.
لكن الحقيقة أن الزائدة ليست عديمة الفائدة، والقول بأنها “زائدة” فقط لأن الإنسان يستطيع العيش بدونها لا يعني بالضرورة أنها بلا وظيفة، فهناك أعضاء أخرى يمكن العيش بدونها – مثل الكلية أو الرئة أو حتى الطحال – لكن لكل منها دورٌ مهم في الجسم.
الزائدة الدودية جزء من الجهاز المناعي
الزائدة تتكون من نسيج لمفاوي، وهي بذلك تلعب دورًا أساسيًا في دعم الجهاز المناعي.
هذا النسيج يساعد على إنتاج الأجسام المضادة ومكافحة العدوى، مما يجعلها جزءًا من شبكة الدفاعات الطبيعية في الجسم. فهي تساعد في التخلص من البكتيريا والسموم والفضلات غير المرغوب فيها، خاصة من خلال الخلايا المناعية التي تنتجها.
مخزن للبكتيريا النافعة
واحدة من أهم الاكتشافات الحديثة بشأن الزائدة أنها تشكل “مخزنًا آمنًا” للبكتيريا المفيدة في الجهاز الهضمي، مثل اللاكتوباسيلوس والبيفيدو. هذه البكتيريا تلعب دورًا محوريًا في عملية الهضم وامتصاص المعادن ومقاومة البكتيريا الضارة.
في الحالات التي يتعرض فيها الجسم لأمراض مثل الزحار أو الكوليرا أو الإسهال الشديد، يتم إفراغ الأمعاء بالكامل، بما في ذلك البكتيريا المفيدة. في هذه اللحظة، يظهر دور الزائدة بوضوح، حيث تطلق ما فيها من بكتيريا نافعة لتعويض النقص ومساعدة الجهاز الهضمي على التعافي.
الزائدة منذ الحياة الجنينية
المفاجأة الكبرى أن دور الزائدة لا يبدأ بعد الولادة، بل يظهر حتى قبل أن يولد الإنسان. فقد أظهرت الدراسات أن الغدد الصماء الموجودة في الزائدة تبدأ عملها في الأسبوع الحادي عشر من الحمل، وتنتج هرمونات وأمينات حيوية تساعد في تنظيم وظائف الجسم البيولوجية في الجنين، قبل أن تنتقل للقيام بدورها المناعي بعد الولادة.
دور الزائدة في توجيه الخلايا المناعية
بالإضافة إلى ما سبق، تلعب الزائدة دورًا في “توجيه” حركة الخلايا اللمفاوية داخل الجسم. فعندما يتعرض عضو ما لهجوم بكتيري، تقوم الزائدة بإفراز مواد تعمل كمرشد لهذه الخلايا المناعية حتى تتوجه إلى مكان الإصابة، مما يعزز استجابة الجسم ضد التهديدات.
لماذا إذًا يحدث التهاب الزائدة الدودية؟
رغم أهمية الزائدة، إلا أنها عرضة للالتهاب، وقد يحدث ذلك لأسباب مختلفة، منها انسداد مدخل الزائدة، أو وصول بكتيريا من الجهاز الهضمي أو من خلال الدم. عندها تنتفخ الزائدة وتمتلئ بالصديد، وهو سائل مليء بالجراثيم والخلايا الميتة، ما يشكل خطرًا كبيرًا على الجسم.
في حال لم يتم استئصال الزائدة الملتهبة بسرعة، فإنها قد تنفجر، مما يؤدي إلى انتشار العدوى في تجويف البطن، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة. لهذا السبب، يلجأ الأطباء إلى الاستئصال الفوري في حالة الالتهاب الحاد، لأن كمية الصديد لا يمكن السيطرة عليها بالأدوية وحدها.
أعراض التهاب الزائدة الدودية
من أهم الأعراض التي قد تدل على التهاب الزائدة الدودية:
- ألم يبدأ حول السرة ثم ينتقل إلى الجزء الأيمن السفلي من البطن.
- غثيان وقيء.
- انتفاخ وارتفاع في درجة الحرارة.
- إمساك أو إسهال.
- فقدان الشهية.
- احتباس الغازات.
- ألم عند لمس البطن.
في حال ظهور هذه الأعراض، من الضروري زيارة الطبيب فورًا، وتجنب تناول المسكنات أو المضادات الحيوية دون إشراف طبي، لأن ذلك قد يخفي الأعراض ويصعب التشخيص، أو يسبب انفجار الزائدة إذا لم تُكتشف حالتها بدقة.
كيف نحمي أنفسنا من التهاب الزائدة؟
رغم عدم وجود طريقة مضمونة للوقاية من التهاب الزائدة، إلا أن هناك بعض الإرشادات العامة التي يمكن أن تقلل من احتمالية الإصابة:
- تناول أطعمة غنية بالألياف مثل الخضروات والفواكه.
- الحفاظ على وزن صحي، لأن السمنة قد تؤثر على توازن البكتيريا النافعة.
- النوم الجيد وتناول أطعمة متوازنة.
- تجنب ابتلاع بذور الفواكه، إذ يُعتقد أنها قد تسهم في انسداد الزائدة.
ختامًا: لا شيء في الجسم بلا فائدة
خلاصة القول، إن الزائدة الدودية ليست عضوًا زائدًا كما كان يُعتقد، بل هي خط دفاع مهم في الجسم، تؤدي دورًا في المناعة، وتنظيم البكتيريا النافعة، ودعم الجهاز الهضمي. وقد لا نشعر بأثر غيابها في عصرنا الحالي بفضل الأدوية والمضادات الحيوية، لكن في ظروف غير صحية، وجودها قد يكون حاسمًا.
وأخيرًا، إن مجرد قدرة الإنسان على العيش بدون عضو ما، لا يعني بالضرورة أن هذا العضو بلا قيمة. الزائدة الدودية مثال حي على أن خلق الله سبحانه وتعالى ليس فيه عبث، بل في كل عضو حكمة ووظيفة قد نجهلها اليوم، وندرك أهميتها لاحقًا.