غرقت سفينة تيتانيك العملاقة في 15 أبريل عام 1912، مما أدى إلى واحدة من أكبر الكوارث البحرية في التاريخ. ومع أن التحقيقات الرسمية ألقت باللوم على قبطان السفينة، الكابتن إدوارد جون سميث، بسبب تجاهله للتحذيرات المتعلقة بالجبال الجليدية، فإن قصة الغرق لم تهدأ يوماً، بل على العكس، أصبحت أرضاً خصبة للعديد من النظريات، بعضها غريب، وبعضها الآخر يستند إلى تحليلات فنية وتاريخية دقيقة. في هذا المقال، نستعرض أبرز هذه النظريات التي حاولت تفسير ما حدث بالفعل للسفينة تيتانيك.
غموض الغرق وعودة الحطام بعد 73 عاماً
تحملت شركة “وايت ستار لاين” والقبطان جون سميث مسؤولية الكارثة بعد أن ثبت أن السفينة كانت تسير بسرعة عالية في ظروف خطرة. وظلت تيتانيك مختفية في أعماق المحيط لمدة 73 عاماً، حتى تمكن عالم المحيطات الأمريكي “روبرت بالارد” عام 1985 من تحديد موقع الحطام على عمق 4 كيلومترات في قاع المحيط الأطلسي.
وقد أظهرت دراسات بالارد أن السفينة انقسمت إلى نصفين وهي لا تزال على السطح، الأمر الذي أثار دهشة الخبراء، خاصة وأنها كانت مصنوعة من هيكل فولاذي مزدوج. ومع تحليل عينات من الفولاذ، اتضح أنه كان رديء الجودة، ما أثار تساؤلات جديدة حول أسباب الغرق وصدقية الروايات الرسمية.
نظرية التبديل بين تيتانيك وأولمبيك: خدعة تأمينية؟
قليلاً ما يعرف الناس أن تيتانيك لم تكن السفينة الوحيدة التي بنتها “وايت ستار لاين”، بل كانت واحدة من ثلاث سفن شقيقة، إلى جانب “أولمبيك” و”بريتانك”. وقد بدأت أولمبيك رحلاتها عام 1910، أي قبل تيتانيك بنحو عام ونصف، لكنها تعرضت لحادث تصادم مع السفينة الحربية البريطانية “إتش إم إس هوك” في سبتمبر 1911، في حادث تسبّب في خسائر فادحة للشركة.
المفاجأة أن قبطان أولمبيك وقت الحادث كان هو نفسه قبطان تيتانيك لاحقاً، الكابتن إدوارد جون سميث. وقد دفعت هذه الحادثة بعض المنظّرين إلى تبني فرضية مؤامرة مفادها أن الشركة استبدلت تيتانيك بأولمبيك في محاولة للحصول على تعويض من شركات التأمين.
ويقال إن المليونير الأمريكي “جون مورغان”، وهو الممول الرئيسي للشركة، كان أحد العقول المدبرة للخطة. وقد دعّم هذه النظرية الكاتب البريطاني روبن جاردينر في كتابه الشهير “تيتانيك: السفينة التي لم تغرق أبداً”، مستنداً إلى دلائل مثل إلغاء 50 شخصية بارزة لحجوزاتهم المؤكدة على السفينة.
لعنة الفراعنة: مومياء الحظ التعيس على متن السفينة
إحدى أكثر النظريات غرابة تتعلق بمومياء فرعونية تُعرف بـ”مومياء الحظ التعيس”، والتي كانت معروضة في المتحف البريطاني منذ عام 1889. وتحكي الأسطورة أن الأميرة الفرعونية صاحبة المومياء توفيت قبل زفافها، ومن ثم حُنّطت بعناية بالغة.
وبحسب روايات الناجين، فإن الصحفي البريطاني الاستقصائي ويليام ستيد، الذي كان من ركاب السفينة وتوفي في الكارثة، أخبر من حوله أن المومياء كانت على متن السفينة وأنها تسببت في حوادث كثيرة في المتحف البريطاني، مما دفع إدارة المتحف للتخلص منها بإرسالها إلى متحف أمريكي عبر تيتانيك.
وقد أثارت هذه القصة الجدل، وأصبحت محوراً لنظرية تقول إن السفينة غرقت بفعل “لعنة الفراعنة”.
صراع الكاثوليك والبروتستانت: نار الطائفية تصل إلى أعماق المحيط
من النظريات الأخرى التي لاقت بعض الرواج، تلك التي تربط بين الكارثة والصراع المذهبي المحتدم بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا. حيث يعتقد بعض الباحثين أن مجموعة من الكاثوليك، وخاصة من ركاب الدرجة الثالثة، كانوا على دراية برقم بدن السفينة الذي قيل إنه يشير إلى رفض البابا، واعتبروه نذير شؤم.
ووفقاً لهذه الرواية، فقد أقدم بعض الركاب على إشعال حرائق داخل السفينة وفك بعض المسامير من بدنها. وقد دعم هذه النظرية المؤرخ والمحامي الأمريكي جون والتر لورد في كتابه “ليلة لا تُنسى”، حيث أورد صورة للرقم بطريقة معكوسة توحي بعبارة “NO POPE” (لا للبابا).
جون مورغان: هل خطط الممول الكبير للكارثة؟
صحيفة واشنطن بوست نشرت مقالة مثيرة للجدل تتهم فيها الممول الرئيسي للسفينة، جون مورغان، بتدبير الكارثة عمداً للتخلص من شركاء منافسين له في السوق المالية، وهم جيكوب آستور، وإيزي دوروس، وبنجامين جوجنهايم.
وكان الهدف، بحسب النظرية، هو تمهيد الطريق لإنشاء “الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي”، وهو ما كان يلقى معارضة قوية من هؤلاء الثلاثة. وقد ألغى مورغان بالفعل سفره في اللحظات الأخيرة، بحجة المرض، رغم تأكيدات لاحقة بأنه كان يشتري تحفاً فنية في نفس اليوم الذي أبحرت فيه تيتانيك، مما أثار الشكوك حول دوافعه الحقيقية.
نظرية الحريق قبل الإبحار: هل كانت السفينة معطوبة من البداية؟
واحدة من أكثر النظريات التي تحظى بتأييد الخبراء حالياً، هي تلك التي طرحها الصحفي الآيرلندي “سنان مولوني”، بعد دراسة استمرت 30 عاماً. حيث يرى أن حريقاً نشب في القبو رقم 6 قبل انطلاق السفينة، وأن إدارة الرحلة لم تتمكن من إلغائها بسبب الزخم الإعلامي الكبير.
وبحسب مولوني، فإن الحريق اشتعل مجدداً في اليوم الثالث من الإبحار، مما دفع القبطان إلى تسريع السفينة للوصول بسرعة إلى الميناء، إلا أن هذا القرار أدى إلى الاصطدام بجبل جليدي خلال الليل، في ظل ضعف بدن السفينة نتيجة الحريق. وقد تسبب الشرخ الناتج عن الاصطدام في غمر السفينة بالمياه بسرعة كبيرة، لتنتهي الكارثة خلال ساعات.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يرون أن حرائق الفحم كانت شائعة ويمكن السيطرة عليها، إلا أن هذه النظرية لا تزال تلقى تأييداً نظراً لتفاصيلها التقنية والمنطقية.
في الختام: تيتانيك بين الحقيقة والأساطير
بعد مرور أكثر من قرن على غرق تيتانيك، لا تزال الأسئلة تتوالى والتكهنات تتسع. فبين الرواية الرسمية والنظريات البديلة، تقف الحقيقة غارقة في أعماق المحيط، وربما لا نعرفها أبداً. لكن المؤكد أن تيتانيك لم تكن مجرد سفينة غرقت، بل قصة إنسانية، سياسية، وأسطورية، ستظل تثير الجدل لسنوات قادمة.