خطبة دروس من الهجرة النبوية الشريفة

أعددنا لكل الأئمة في جميع الأقطار الإسلامية خطبة دروس من الهجرة النبوية الشريفة. وهي من إلقاء الشيخ هاني مصطفى نجم -جزاه الله خيرا-. وقد أحضرناها لكم مكتوبة كاملة؛ جاهزة للإلقاء المباشر أو النسخ ثم التعديل على محتواها، أو حتى تحميلها للهاتف المحمول، أو طباعتها.

خطبة دروس من الهجرة النبوية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.

أما بعد؛ فيقول ربنا ﷻ وهو أصدق القائلين ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.

إن هجرة النبي ﷺ مليئة بالدروس والمواقف والعبر. ومن تأمل في أحداثها رأى في كل حدثٍ من العظات والعبر ما الله ﷻ به عليم.

من دروس الهجرة النبوية.. التخطيط وحسن الإعداد

فمن دروس هجرة النبي ﷺ التخطيط وحسن الإعداد، ويظهر ذلك جليا في عدة مواقف من هجرته ﷺ.

لما أذن الله ﷻ لنبينا ﷺ بالهجرة ما خرج ﷺ أولاً بل انتظر ﷺ حتى هاجر الصحابة جميعًا إلا من فتنته قريش عن دينه، وهذا فيه من التضحية والفداء ما الله ﷻ به عليم.

انتظر ﷺ مخاطرًا بنفسه حتى يطمئن على أصحابه رضي الله ﷻ عنهم في هجرتهم.

يهاجر الواحد بعد الواحد، والصديق -رضي الله عنه- يستأذن رسول الله في الهجرة فيقول ﷺ «يا أبا بكر، على رسِلك لعل الله ﷻ أن يجعل لك صاحبًا».

فيقول: الصحبة الصحبة يا رسول الله. ولما أجمعت قريش على قتله وعلي القضاء عليه ﷺ، لما أراد أن يخرج ﷺ جعل عليًا على فراشه مغطاً ببرده الحضرمي الأخضر حتى إذا ما نظر ناظرُ إلى حجرة النبي ﷺ وجد إنسانًا ينام على فراشه فظنوه هو النبي ﷺ، وحتى يؤدي الأمانات إلى أصحابها وأهلها.

أمانة النبي ﷺ

فمع أنهم يحاربونه وأجمعوا على قتله لم يجدوا أمينًا غيره ﷺ. وما كان ﷺ ليخون أمانة أبدا حتى وهم يحاربونه، وحتى وهم أجمعوا على قتله وعلي القضاء عليه. يستخلف عليًا -رضي الله عنه- ليؤدي الأمانات إلى أصحابها وأهلها رضي الله ﷻ عن علي، وصلى الله وسلم وبارك على الحبيب النبي.

علي بن أبي طالب يفدي رسول الله ﷺ بروحه

يفدي رسول الله ﷺ بنفسه، لا يعلم الغيب أحد إلا الله، فربما إذا ما دخلوا عليه وكشفوا الغطاء عن وجهه، ورأوا وجهه لعلهم بادروا بالقضاء عليه، لا يبالي بذلك. نفسي لك الفداء يا رسول الله.

أحداث الهجرة النبوية

ولما أراد ﷺ أن يخرج تخير وقتًا لا يخطر لأحد على بال أن يخرج ﷺ خرج في الهاجرة عند اشتداد الحر، في نحر الظهيرة، في وقت لو وضعت لحمًا نيئًا على رمال الصحراء لأنضجت.

خرج ﷺ إلى بيت الصديق -رضي الله عنه- فلما رآه الصديق -رضي الله عنه- قال: والله ما جاء بك يا رسول الله إلا حادثُ قد حدث.

قال ﷺ «إن الله ﷻ قد أذن لي في الهجرة». قال: الصحبة الصحبة يا رسول الله. قال ﷺ «يا أبا بكر؛ أبشر فإن الله ﷻ قد جعل لك صاحباً».

فطنة وذكاء النبي ﷺ في الهجرة

ولما هم بالخروج ﷺ ما خرج من الباب الذي دخل منه وإنما خرج في فتحةٍ كانت في آخر دار الصديق -رضي الله عنه- لأن أحدًا لو تبع رسول الله ﷺ لانتظر على الباب الذي دخل منه. وأما النبي ﷺ فقد خرج من فتحة في آخر الدار تعمية على من خرج اختفاء لأثره ﷺ.

ولما هم بالسير لم يأخذ طريق الشمال وهو الطريق المعهود المعروف المسلوك الذي من خلاله يصل إلى يثرب، وبذلك كانت تسمى وهي مدينة النبي ﷺ. وإنما أخذ ﷺ طريق الجنوب وكان طريقا وعرًا صعبًا شديدًا غير مسلوك، لا يسير فيه أحد.

مع ما فيه من الوعورة والصلابة والشدة ما الله به عليم، ذلك أيضًا تعمية على أعين القوم لأنهم إذا أرادوا أن يدركوه ﷺ لن يخطر لهم على بال أنه سار في هذا الطريق الصعب الوعر، لأن من أراد فرارًا وهجرة من المعقول أن يسير في طريق مسلوكة، وأن يمشي في طريق مأهولة معروفة.

وإنما أخذ في طريق آخر ﷺ حتى ذهب إلى غار ثور، وها هُنا مكث النبي ﷺ ثلاثة أيام لا تزيد.

جلس ثلاثة أيام حتى يهدأ الطلب، وحتى يخف الرُقباء، ولم يزد على ذلك ﷺ حتى لا ينتبه لأمره ﷺ أحد.

دور عبد الله بن أبي بكر في الهجرة النبوية

والنبي ﷺ وهو في الغار يريد طعامًا وشرابًا، ويريد أن يعرف أخبار القوم، في ماذا يفكرون؟ وبأي شيء يخططون للنيل من رسول الله ﷺ. فجعل

عبد الله بن أبي بكر -رضي الله ﷻ عنه- يأتيه بخبر القوم. يجلس معهم نهارًا، يجلس في أنديتهم، ويحضر اجتماعاتهم ويسمع لأقوالهم ثم يذهب ليلاً بذلك إلى رسول الله ﷺ.

أسماء بنت أبي بكر ودورها العظيم في الهجرة

وأما أسماء -رضي الله ﷻ عنها- فكانت تذهب بالطعام إلى رسول الله وإلى أبيها -رضي الله ﷻ عنها وعنه-.

واختار ﷺ أسماء -رضي الله ﷻ عنها- لتقوم بإعداد الطعام وحمله إلى الغار لأن المرأة معروفة أنها تحمل الطعام تذهب به وتروح وتجيء فلا يلتفت إليها أحد ثم إنها كانت حاملاً في الأشهر الأخيرة من حملها فلا يخطر على بال أحد أنها تصعد جبلاً وعرًا، وتمشي مسافة يعجز الأطفال الأقوياء عن السير فيها.

ولم يجعل ﷺ أمر الطعام والشراب لعبد الله -رضي الله ﷻ عنه- لأن الرجل لا يُعرف بحمل الطعام، لا يُعرف بالذهاب والمجيء بطعام فيلفت الأنظار.

ولم يجعل أسماء تأتي بالأخبار لأنها لن تستطيع أن تجلس في مجامع القوم ولا أن تسمع كلامهم. والمرأة مهما بلغت من العقل لن تصل إلى فطنة الرجل وإلى حكمته، ولن تصل إلى خبرته، ولن تصل إلى نقل الكلام بحروفه لحاجة النبي ﷺ إلى ذلك، هي تصعد بالطعام وهو يأتي بالأخبار إلى رسول الله ﷺ.

هناك أمر عند العرب وهم أنهم يتتبعون الأثر فيعلمون أين ذهب الذاهب وأين جاء؟ وهل كان يحمل شيئًا على كتفيه أم كان خفيفا؟ وهل هي إقدام رجل أم امرأة؟ وهل هي امرأة حامل أم غير حامل؟ كل هذا يعرفونه عن طريق تتبع الأثر.

عامر بن فهيرة بطل من أبطال الهجرة النبوية

النبي ﷺ يريد إخفاء الأثر فجعل عامر بن أبي فهيرة وكان مولى للصديق -رضي الله ﷻ عنه-، كان يرعى غنماً، كان إذا ما جن الليل ذهب في أثر عبد الله وفي أثر أسماء إلى غار النبي ﷺ حتى يُطمس آثار الأقدام ثم يبيت عند رسول الله ﷺ وعند الصديق -رضي الله ﷻ عنه- فيحلب لهم من الشياه فيشربون، فإذا ما جاء النهار بتباشيره وظهرت أنواره عاد بأغنامهِ إلى قريش فأصبح كأنه قد بات بينهم، فلا يفطنون لأمره ولا يجدون أثرًا للأقدام ولا شيء.

النبي ﷺ سيسير في طريق لم يسر فيها أحد تعرف بالصعوبة والوعورة فيحتاج إلى دليل، يحتاج إلى رجل عارف خبير بالطريق ومسالكه فاختار ﷺ رجلا أمينًا من المشركين، ولكنه كان خبيرًا بالطريق، فسار بالنبي ﷺ جنوبًا ثم مال بالنبي ﷺ غربًا إلى ناحية البحر الأحمر، ثم مال بهم ثانية إلى الشمال حتى دخل المدينة برسول الله ﷺ لم يُصب بأذى ولم يدركه أحد ممن تبعه ﷺ.

ألا فتأملوا عباد الله؛ كيف أن رسول الله جعل من ينام على فراشه بدلا منه تعميةً على القوم، وكيف اختار وقتا للخروج؟ ولما أراد أن يخرج خرج من خلف الدار لا من بابها المعروف المعلوم، وكيف لما أراد المسير أخذ طريقًا لم يسر فيها أحد؟ وكيف تتبع أخبار القوم؟ وكيف كان يأتيه الطعام والشراب؟ وكيف كان يُخفي آثار الأقدام؟

التخطيط والأخذ بالأسباب من أعظم دروس الهجرة

اتخذ خبيرًا بالطريق لتعلموا مع أنه نبي مرسل مؤيدٌ بالمعجزات من الله، ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب، متوكلاً على ربه ﷻ.

كان يأخذ بالأسباب، وكان يضع الخطط، وكان يحسن الاستعداد، وكان يختار الكفاءات ﷺ.

إن من خطط لأمر من أمري الدنيا والآخرة، وأحسن الاستعداد له فليبشر بالفوز والفلاح والنجاح لأخذه بالأسباب وتأسيه برسول الله وتوكله على ربه ﷻ. فاللهم صل وسلم وبارك على من علمنا وأدبنا، وعلى كل خير دلنا وأرشدنا ﷺ.


ختامًا؛ أوصيك أيضًا إمامنا الفاضل بالاطلاع تاليًا على: خطبة عن الدروس المستفادة من الهجرة النبوية. وهي عبر موقع المزيد، الشهير في إعداد الخطب المكتوبة. جزاهم الله خيرًا.